17-02-1434 11:10
حبيب عبدالله : "عظمة ومجد التاريخ الإسلامي وقصة العدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان كلها بدأت عام 61هـ حينما قُتل الحسين رضي الله عنه في كربلاء عندما ذهب مجاهدا إلى العراق ليقف بنفسه في وجه الظلم والاستبداد رافضا تغيير مبدأ الشورى الإسلامي إلى حكم العائلة، وليبدأ وقتها تاريخ جديد في بناء الحضارة الإنسانية قاطبة"، هذا باختصار ما يردده الشيعة صباح مساء وهو التاريخ الذي تؤمن وتهتم به وتروجه المنظمات والجمعيات الشيعية في بريطانيا وأوروبا حول فجر العدالة ونور الإنسانية ورسالة الإسلام.فما إن انتهينا من يوم عاشوراء يوم مقتل الحسين رضي الله عنه وتعرفنا على شخصيته وتاريخه وشاهدنا صوره وسمعنا دعوات الثأر له، حتى بدأت التهاني بالانتشار من حولنا في بريطانيا والساحات العامة تمتلئ بتماثيل وصور المسيح عليه السلام إيذانا بقرب يوم ميلاده، فهذه السنة اقتربت المناسبتان من بعضهما بعضا بسبب تصادف شهر محرم للمسلمين وشهر كانون الأول للمسيحيين. فكل سنة وبحلول عاشوراء يبدأ الشيعة وكذلك الطلاب الشيعة في بعض الجامعات البريطانية بإقامة مآدب العزاء واللطم الخجول, وجمع التبرعات لروح الحسين من أجل التعريف به وبتضحيته بروحه العظيمة والتعريف به كمخلص للبشرية من الظلم والجور ومن الاضطهاد والاستبداد، وكذلك الدعوة والمطالبة بالثأر له: كيف ومتىًًً؟ لا توجد معلومات أو تفاصيل أكثر بالمنشورات التي توزع في هذه المناسبة. ويحرص طلاب الجامعات الشيعة على دعوة الطلاب البريطانيين من غير المسلمين للثأر من قتلة الحسين ومن مغتصبي الخلافة. توزع المنشورات والملصقات وتقام المحاضرات القصيرة والطويلة في فضائل وصفات الحسين وعن قوته الإيجابية والروحانية التي ما زالت حاضرة إلى اليوم في قلوب الملايين من البشر من كافة الديانات مسلمين ويهود ونصارى وهندوس، ويباع الماء الصحي الطاهر أيضا حيث تحمل العبوات اسم وموقع الحسين على شبكة الإنترنت الخاص بتذكره وتذكر مقتله رضي الله عنه، وتوزع عينات الطين الدائرية الشكل من قبر الحسين.فخلال ما يقارب من أربع سنوات وأنا أقرأ الكتيبات وإعلانات المحاضرات الخاصة بالشيعة وقد حضرت عددا من المحاضرات الخاصة بالشيعة سواء في محيط الجامعة أو في مناسبات أخرى، وكل شيء تعرفت عليه وتعلمته من هذه المناسبات هو أشبه ما يكون بالاحتفالات الجماعية من أجل الإحساس بالذنب الجماعي وترديد أصوات مأساوية يكسوها الألم وضرب الصدور والأكتاف تألما وندما لما حدث للحسين، ولم أجد إطلاقا أي محاضرة يقدمها الطلاب الشيعة في الجامعات البريطانية مثلا عن الإسلام كدين عظيم أو عن النبي محمد عليه صلى الله عليه وسلم أو الدفاع عنه ونشر أقواله وأفعاله، ولا حتى محاضرات لتوضيح أو شرح مفاهيم خاطئة حول الإسلام والمسلمين، ولو لم أكن مسلما لاعتقدت أن الحسين هو الإسلام والإسلام هو الحسين وليس هناك نبي ورسول اسمه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ,وليس هناك دين اسمه الإسلام ,وليس هناك صحابة وتابعون وفاتحون وعلماء سوى الحسين والإمام المنتظر. يحاول الشيعة والطلاب الشيعة على وجه الخصوص جاهدين تعريف البريطانيين من غير المسلمين بشخصية الحسين وكيف بدأت مسيرة الحياة والعدالة بحياته وبعد موته رضي الله عنه. نراهم في يوم عاشوراء من كل سنة يعرفون الناس من خلال المنشورات بأن الحسين أصبح في تضحيته وصبره قدوة لشخصيات تاريخية عظيمة مثل المهاتما غاندي الذي قال: "تعلمت من الحسين كيف أستطيع تحقيق النصر عندما أكون مظلوما"، وماذا قال عنه الفلاسفة والمؤرخون والمفكرون السياسيون الغربيين كبعض أعضاء البرلمانات الأوروبية ورؤساء مراكز البحوث الاجتماعية والسياسية، حيث يقول مفكر سياسي غربي: "أن تضحية الحسين ليست حكرا على دولة واحدة بل تورث لللإنسانية جمعاء"، ويقول مؤرخ إنجليزي آخر: "إن المشهد المأساوي لمقتل الحسين سيوقظ عاطفة أقسى قلب يقرأ سيرته"، ويحرصون أيضا على الأسماء الإنجليزية كالروائي تشارلز ديكنز الذي قال: "الحسين لم يقاتل من أجل الدنيا بل الآخرة". والمؤرخ الأميركي واشنطن إيروينج حيث قال: "الحسين كان سببا في انبثاق الثورات في الإسلام"، ومحاولة ربط هذه المقولة بما يحدث في الشرق الأوسط من ثورات ضد الأنظمة الاستبدادية.ونكاد لا نسمع اسم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحاديثه إلا التي التي قالها بالحسين رضي الله عنه وتنتشر من كل سنة أيضا في عاشوراء. بينما في الجانب المقابل فإن الجمعيات الإسلامية السلفية أو الصوفية وغيرهما في بريطانيا تحرص على عقد محاضرات طيلة العام للتعريف بالإسلام وفضائله وتوضيح وشرح قوانين الشريعة والقضاء أو محاضرات حول الخلق والكون والإلحاد، ومحاضرات أخرى حول مسائل دينية يكثر الاختلاف حولها كالزواج والتعدد والمرأة في الإسلام أو الصيرفة الإسلامية وغير ذلك، إضافة إلى محاضرات مهمة ومتنوعة للتعريف بمحمد عليه صلى الله عليه وسلم وموقف الإسلام من مختلف القضايا المستجدة كالشذوذ والإجهاض والزكاة، أو التعريف بأدوار وفضائل واجتهادات الصحابة رضي الله عنهم جميعا. وأمر آخر يستدعينا الوقوف قليلا وهو بعض الأعمال كتوزيع منشورات وكتيبات تحتوي على صور الحسين، (حيث لأول وهلة يراها اللإنسان يستدعي صور المسيح وانحناءة رأسه)، من أجل استمرار الشعور العظيم بالذنب والبكاء على مقتله ولعن مغتصبي خلافته، ناهيك عن حملات الحج إلى كربلاء والنجف حيث أرى أنا شخصيا أن بعض الشيعة العرب وبعض الآسيويين الشيعة في بريطانيا بات يرى أنها ضرورية لإتمام دينه، وقد يكون مطارالبصرة في سنوات قليلة قادمة منافسا لمطار جدة في استقبال الحجاج. والواقف على التاريخ الحديث للمسيحية والكنائس في أوروبا يعرف تماما كيف أصبحت قضية سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام أشبه بالخيال والخرافة، حيث الاهتمام الكبير بصوره وتماثيله المصلوبة الملطخة بالدماء وقد كانت هذه الصور والتماثيل محرمة في بداية المسيحية إلا أنها أصبحت في كل كنيسة ومكان ومخيلة إنسان ,ولكنها باتت مجردة من أي عقيدة أو تعاليم دينية صحيحة أو حتى غير صحيحة، أيضا فالمبشرون المسيحيون دائما ما يركزون على ترديد كلمات معينة كالخلاص ورفع الظلم وإحلال العدالة وإنقاذ وإسعاد البشرية، وإحساسهم القاسي والدائم بالذنب والتأنيب ومحاولة التكفير عن خطيئة صلبه الذي خيل لهم.تزود الجمعيات المسيحية المنشورات الصغيرة والبسيطة المعبرة عن روح المسيح وأنه الخلاص الوحيد للبشرية والنجاة لمن أراد النجاة، وبصورة مشابهة يسعى الشيعة من حيث لا يعقلون إلى تبني نفس الأسلوب الدعوي والذي قد يوصل لنفس الصورة حيث لا يبقى من الدين لدى الشيعة سوى صورة الحسين وبضع كلمات تتحدث عن الخلاص والعدالة ورفع الظلم ,بينما لا أحد يفقه حقيقة الرسالة والدعوة الحقيقية التي اتبعها الحسين في حياته ومات عليها. وعند قرب عيد ميلاد المسح من كل سنة ينتشر الطلاب والشباب المسيحيون في الجامعات والشوارع للتعريف بالمسيح وعقد محاضرات عنه وعن المسيحية والتي أشبه ما تكون باحتفالات لشرب القهوة والشاي وأكل الكعك فقط وتبادل الأحاديث الجانبية ولا أكثر من ذلك، وهي لمجرد الإحساس بعيد المسيح فقط والتصوير بجانب تماثيله، حيث لا عقيدة ولا دين يمكن الحديث حوله. يقوم المتشددون المسحييون في بعض الدول التي تسمح بذلك بتعذيب أنفسهم يريقون دمائهم بسبب اعتقادهم أن المسيح عيسى عليه السلام قتل وصلب، البعض يفتدي المسيح بروحه ودمه، والبعض منهم يحمل الصلبان الضخمة ودمه يسيل منه، وأخرين يصلبون أنفسهم ويضربون المسامير في أيديهم من أجل الإحساس بالمعاناة التي عاناها المسيح، وفي الجانب الآخر وفي بعض الدول التي تسمح بذلك وجدت عند الشيعة اللطم والنياحة الجماعية وتطبير الرؤوس بالسيوف والقامات والأدوات الحادة لإراقة الدماء من أجل تذكر معركة كربلاء ومقتل الحسين، ويحدثني صديق شيعي أن الغالبية العظمى من فقهاء الشيعة ومثقفيهم، يقفون ضدها، ويحرمونها، ويعتبرونها، إما محرمة في الأصل، أو محرمة بالتبع أي بما تسببه من ايذاء النفس، أو تشويه لصورة الدين،، ويقول أيضا بأن هذه العادة المشينة التي دخلت للتشيعّ من حضارات مختلفة، وجرى تلبيسها ثوباً شرعياً، وإضفاء الهالة الروحية حولها، بل ودعمها زوراً بقيم الفداء والتضحية، هي قيم تدغدغ مشاعر العامة من الناس. ولها بريق خاص لدى الشيعة، إلا أن هناك محاولات لتحجيمها. نعم دفع الحسين رضي الله عنه الثمن غاليا عندما ضحى بنفسه في سبيل تصحيح مسار العدالة والحكم الإسلامي وقاتل من أجل إرجاع وإظهار حقيقة الدين لما ألغيت الشورى الإسلامية. ولكنني هنا أسأل أصدقائي الشيعة: هل الإسلام فقط في عاشوراء أو هل هو فقط مقتل الحسين كما هي المسيحية فقط في عيد ميلاد المسيح وصور صلبه ومقتله، وهل الإسلام هو الحسين وكربلاء ودماء ولطم ودعوة مستمرة بالثأر من القتلة والمغتصبين، هل بدأ الإسلام بالحسين، وهل العدالة ورفع الظلم جاءت مع الحسين فقط، أليس هناك ما هو أفضل كالتعريف بمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام والتعريف بحياته وصفاته وأحاديثه حيث بدأ نور البشرية ونزلت الآيات القرآنية بالعدالة وحفظ الحقوق وإرساء العدل ورفع الظلم وكذلك التعريف بالإسلام كدين عظيم وشامل للبشرية جمعاء، أم أن الإسلام بدأ وتوقف منذ مقتل الحسين رضي الله عنه. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق