تعريف التقية عند أهل السنة:
يقول أحد الباحثين: "قلما نجد من علماء أهل السنة من يفرد للحديث عن التقية بابا خاصا، وإنما يذكر الفقهاء أحكام التقية في أبواب الإكراه وأحكام الأسير، كما يتعرض علماء الأصول لهذا الموضوع في باب الرخصة والعزيمة أو في باب عوارض الأهلية"(1).
وقد أسهب البعض- من علماء أهل السنة- في حديثه عن التقية، لكن ذلك كان في معرض الرد على الشيعة، وبيان فساد معتقدهم، ومن هؤلاء العلامة الآلوسي.
ومن تعريفات التقية عند أهل السنة قول السرخسي: "التقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهر، وإن كان يضمر خلافه"(2).
كما عرفها من المحدثين الدكتور أحمد جلي بقوله: "التقية اتخاذ الحيطة والحذر حفاظا على النفس أو المال أو العرض، وذلك بأن يُظهر الإنسان غير ما يضمر إذا اجتمع بمخالفيه في المعتقد حتى لا ينكشف أمره أو يفشو سره، فيتعرض للأذى أو الشر"(3).
منزلة التقية عند أهل السنة:
ورغم جواز الأخذ برخصة التقية في حال الخوف والإكراه، إلا أن علماء أهل السنة بينوا أن الأفضل للمسلم أن يأخذ بالعزيمة، ويبذل نفسه في سبيل الله، لأن في ذلك إعزازا للدين وإغاظة للمشركين، فهو بمنزلة من قاتل العدو حتى قتل، إلا إذا كان في الأخذ بالتقية درءا لمفسدة أعظم عن المسلمين أو تحقيقا لمصلحة متعدية(4)، والتقية رغم مشروعيتها إلا أن للأخذ بها ضوابط لا بد من توافرها، قد بينها العلماء.
قال ابن المنذر: "أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يحكم عليه بالكفر"(5).
وقال ابن بطال في الأخذ بالعزيمة: "أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله"(6).
فهذه صورة إجمالية عن معتقد أهل السنة في مسألة التقية، وهي تختلف تمام الاختلاف عن النظرة الشيعية، ففي الوقت الذي يرى فيه أهل السنة أن التقية رخصة، وأن تركها والأخذ بالعزيمة أفضل، في الوقت الذي يرى فيه أهل السنة ذلك يرى الشيعة أن التقية ليست برخصة بل هي ركن من أركان الدين كالصلاة بل أعظم، كما أن التقية عند أهل السنة لا تكون إلا بين المسلم والكافر لا بين مسلم ومسلم آخر كما يفعل الشيعة.
التقية عند الشيعة:
عرفها شيخهم المفيد بقوله :"التقية كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا"(7).
يقول الدكتور ناصر القفاري: "فالمفيد يعرف التقية بأنها الكتمان للاعتقاد خشية الضرر من المخالفين- وهم أهلُ السنة كما هو الغالب في إطلاق هذا اللفظ عندهم- أي هي إظهار مذهب أهل السنة (الذي يرونه باطلاً)، وكتمان مذهب الرافضة الذي يرونه هو الحق، من هنا يرى بعض أهل السنة: أن أصحاب هذه العقيدة هم شر من المنافقين؛ لأن المنافقين يعتقدون أن ما يبطنون من كفر هو باطل، ويتظاهرون بالإسلام خوفًا، وأما هؤلاء فيرون أن ما يبطنون هو الحق، وأن طريقتهم هي منهج الرسل والأئمة"(8).
منزلة التقية عند الشيعة:
يقول الشيخ الصدوق في كتابه (الاعتقادات في دين الإمامية): "التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم- عليه السلام- فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة"(9).
فكما قلنا سابقا: التقية ليست مجرد رخصة دينية تستخدم عند الضرورة كما هو الحال عند أهل السنة، إنما يرى الشيعة أن التقية ركن أصيل من أركان دينهم فقد نقل الكليني عن ابن عمير الأعجمي قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له والتقية في كل شيء إلا النبيذ والمسح على الخفين"(10).
وذكر الكليني في موضع آخر: قال أبو جعفر: (التقية من ديني ودين أبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له)(11).
وأقل أحوال التقية عند الشيعة أنها تعدل الصلاة، فمن تركها كمن ترك الصلاة المفروضة، قال الكليني، قال الصادق: (لو قلت لك إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا)(12).
وقال الشيخ الصدوق: (اعتقادنا في التقية أنها واجبة، من تركها بمنزلة من ترك الصلاة)(13).
وعلى هذا الأساس فقد جعل الشيعة ترك التقية كاقتراف الشرك، فكما لا يغفر الشرك فالتقية لا يغفرها الله، ذكر المجلسي في بحار الأنوار عن علي بن الحسين رحمهما الله قال: (يغفر الله للمؤمنين كل ذنب، ويطهر منه في الدنيا والآخرة، ما خلا ذنبين: ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان)(14).
الشيعة والتقية وتحريف معاني القرآن:
لإثبات معتقدهم الفاسد لجأ الشيعة إلى تفسير القرآن الكريم تفسيرا يوافق معتقدهم، قال الشيخ الصدوق: سئل الصادق عن قول الله عز وجل: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(15) قال: (أعلمكم بالتقية)(16).
ومن ذلك أيضا تفسيرهم لقوله تعالى: (لاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ)(17)، ففسروا الحسنة بالتقية، والسيئة بالإذاعة(18).
ومنه تفسيرهم لقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(19) قالوا : التي هي أحسن: التقية(20)، ولا شك أن هذه التفاسير تفاسير باطله ما قال بها أحد من العلماء الآثبات.
الآثار المترتبة على عقيدة التقية "الشيعية":
ترتب على الأخذ بعقيدة التقية لدى الشيعة عدة سلبيات ومنها:
* ضياع عقيدة مذهب الأئمة عند الشيعة، حتى أن شيوخهم لا يعلمون في الكثير من أقوالهم أيها تقية وأيها حقيقة، ولذلك لجأ علماء الشيعة إلى حيلة فضعوا لأتباعهم ميزانا أخرج المذهب إلى دائرة الغلو، وهو أن ما خالف العامة فيه الرشاد"(21)، والمقصود بالعامة عندهم هم أهل السنة.
* أدى الأخذ بعقيدة التقية عند الشيعة إلى تعطيل الكثير من النصوص الثابتة في مذهبهم، توافق المسلمين وتخالف ما شذوا به من عقائد وآراء(22).
* وكما عطل معتقد التقية الاستفادة من الأحاديث التي في كتبهم وهي موافقة لما عند المسلمين ومخالفة لشذوذهم كذلك عطل هذا الاعتقاد استفادة الشيعة أنفسهم من كل صوت معتدل ينشأ بينهم، فمثلا حينما أنكر شيوخهم "المرتضي، والصدوق، والطبرسي" فرية الطعن في كتاب الله بالقول بتحريفه ونفوا عن مذهب الشيعة هذه المقولة، قال شيخهم نعمة الله الجزائري الموصوف عندهم بـ"السيد السند والركن والمعتمد الخ" قال بأن هذا "الإنكار" هو من باب التقية"(23).
* تحول المجتمع الشيعي بسبب الأخذ بهذه العقيدة إلى مجتمع نفاقي قائم على الكذب والغش والخداع.
* سهل هذا المبدأ على الكذبة وأصحاب الأفكار المضطربة والعقائد الضالة العبث بعقول الشيعة، وإفساد الدين عليهم، وهو أمر مشاهد بوضوح عند أئمة الشيعة وأتباعهم.
ـــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) التقية عند الشيعة والخوارج وموقف أهل السنة منها- للباحث: أنس أحمد كرزون: (ص:45)- رسالة علمية- جامعة أم القرى- 1409هـ.
(2) المبسوط للسرخسي: (24/45)- دار المعرفة- بيروت.
(3) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين- للدكتور أحمد جلي: (ص:153)- مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية- ط1- 1406هـ.
(4) ينظر: التقية عند الشيعة والخوارج وموقف أهل السنة منها- للباحث: أنس أحمد كرزون: (ص:74)- رسالة علمية- جامعة أم القرى- 1409هـ.
(5) فتح الباري لابن حجر: (12/314)- تحقيق: محب الدين الخطيب- دار المعرفة- بيروت.
(6) المرجع السابق: (12/317).
(7) صحيح اعتقادات الإمامية للشيخ المفيد: (ص:137)- دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت – لبنان- 1414هـ.
(8) أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، عرض ونقد- للدكتور ناصر القفاري: (2/805)- ط2- 1415هـ.
(9) الاعتقادات في دين الإمامية للشيخ الصدوق: (ص:108)- دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
(10) الكافي للكليني: (2/217)- دار الكتب الإسلامية – طهران- 1365هـ.
(11)[ الكافي للكليني: (2/220).
(12) بحار الأنوار للمجلسي: (50/181)- دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان- 1403هـ.
(13) الاعتقادات في دين الإمامية للشيخ الصدوق: (ص:107).
(14) بحار الأنوار للمجلسي: (72/415)- دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان- 1403هـ.
(15) سورة الحجرات، الآية:(13).
(16) الاعتقادات في دين الإمامية للشيخ الصدوق: (ص:108).
(17) سورة فُصِّلَت، الآية:(34).
(18) شرح أصول الكافي للمازندراني: (9/118)- دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان- 1421هـ.
(19) سورة المؤمنون، الآية: (96).
(20) شرح أصول الكافي للمازندراني: (9/121).
(21) أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، عرض ونقد- للدكتور ناصر القفاري: (2/814)- بتصرف.
(22) مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة- ناصر القفاري: (ص:122)- دار طيبة – 1413هـ.
(23) المرجع السابق: (ص:123).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق