الاثنين، 21 أكتوبر 2013

علو مكانة الصحابة والقرابة

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في خيرِ القرون، فهم خيرُ الناس للحقِّ قبولاً، واختار له من الصحابة أقواهم تمسكاً به وأصدقهم دخولاً، واصطفى له من القرابة أكملَ الناس عقولاً، فكانوا أقومهم ديناً وأغزرهم علماً، وأشجعهم قلوباً، وأحسنهم فهماً، جاهدوا في الله حق جهاده، فأقام بهم الدين، وفضلهم على جميع العالمين من أتباع الأنبياء والمرسلين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته العدول الراشدين، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أيها المسلمون! يقول الله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]، وقال سبحانه: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً))[الفتح:29]، وقال سبحانه: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح]، وقال تعالى في حق المهاجرين: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ))[الحشر] وعلى رأس هؤلاء المهاجرين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم وعن صحابة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين.
وقال تعالى في حق الأنصار: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))[الحشر].
وقال تعالى في حق من أسلم من بعد المهاجرين والأنصار من بقية الصحابة وأهل البيت، وهي شاملة لكل من جاء بعدهم من أهل الإيمان: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ))[الحشر].
وقال أيضاً: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى))[الحديد:10]، والحسنى هي الجنة.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أذكركم الله في أهل بيتي)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنَّ أحدَكم أنفقَ مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفَه)، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله. 
أخي المسلم! فهذه طائفة من آيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة النبوية، وهي دالة كل الدلالة على مكانة أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
إن هذه النصوص خير شاهد على مكانة الصحابة والقرابة عند الله تعالى، وعند نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهي دليل على الوحدة الإيمانية، والصف الموحَّد.
عباد الله! إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصطَفون لصحبته كما اصطفاه الله لرسالته.
فمن أحبهم فما أحب إلا الخير، وما نفع إلا نفسه، ومن ذمهم فقد وصَمَ نفسه، وبخسَ حظه، وأضاع نصيبه.
وكذلك هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهاهو إمام أهل السنة محمد بن الحسين الآجُرِّي يقرر في كتابه (الشريعة) أن محبة أهل البيت واجبة، فاسمع إلى ما يقول رحمه الله، يقول: «واجب على كل مؤمن ومؤمنة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بنو هاشم علي بن أبي طالب وولده وذريته، وفاطمة وولدها وذريتها، والحسن والحسين وأولادهما وذريتهما، وجعفر الطيار وولده وذريته، وحمزة وولده، والعباس وولده وذريته رضي الله عنهم، هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واجب على المسلمين محبتهم وإكرامهم واحتمالهم وحسن مداراتهم، والصبر عليهم، والدعاء لهم، فمن أحسن من أولادهم وذراريهم فقد تخلق بأخلاق سلفه الكرام الأخيار الأبرار، ومن تخلق منهم بما لا يحسن من الأخلاق دُعي له بالصلاح والصيانة والسلامة...».
فهذا الكلام يدل على أن لأهل البيت مكانة عظيمة، فهم الذين طهرهم الله وزكَّاهم وأذهب عنهم الرجس، وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن حبهم واجب والذب عنهم دليل ذلك، وهنا نقف وقفة تأمل في كلام خليفة راشد، وإمام مجاهد، يصف أصحاب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.. إنه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فعن أبي أراكة قال: صليت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاة الفجر، فلمّا سلّم استقبل عن يمينه، ثم مكث كأنَّ عليه كآبة، حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قَيدَ رمحٍ، قال وقلب يديه:
(لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شُعْثاً صفراً غبْراً، بين أعينهم أمثال رُكَبِ المعزى، قد باتوا لله سُجداً وقياماً يتلون كتاب الله، يُراوِحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادُوا كما تميد الشجر في يوم الريح، وَهَملتْ أعينهم حتى تبلَّ ثيابهم، والله لكأنَّ القوم باتوا غافلين).
عباد الله! إن حياة أهل البيت والصحابة الكرام، لم تكن حياةً من أجل الدنيا وجمع الأموال والتفاخر؛ بل كانت الدنيا أحقر ما يكون لديهم، وكانت غايتهم هي نيل رضا رب العالمين.
عباد الله! إن حب أهل البيت الكرام هو حب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد تشرفوا بثلاث: شرفهم الله أولاً: بالإيمان بالله، وثانياً: لأنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وثالثاً: لأنهم أقرباء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولذلك قال أبو بكر الصديق لعلي رضي الله عنهما: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحبُّ إليَّ أن أَصِلَ من قرابتي)، رواه البخاري ومسلم.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يحبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويحبون أهل بيته وصحابته الكرام.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، نحمده سبحانه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيمِ سلطانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والأنبياء من إخوانه. 
أما بعــــد:
فقد يقول قائل: إنك تتحدث عن الصحابة والقرابة، وحبهم معروف لدى الجميع.
والحقيقة هي كذلك، ولكن هناك ممن ينتسب للإسلام من لا يعرف مكانهم أو يغمطهم حقهم الذي أوجبه الله علينا، فلنذكر الفوائد والعبر المستفادة من هذه الخطبة، وهي:
أولاً: أن حب الصحابة وأهل البيت يدل على صحة اعتقاد الرجل؛ لأن الطاعن فيهم طاعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والطاعن فيهم طاعن في صحة شريعته صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنهم هم الذين بلغوها بعد موته صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.
ثانياً: أن من آذى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته، فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه يكره أذيتهم ويأمر بمحبتهم ومودتهم؛ إذ هم خاصته وأحبابه صلى الله عليه وآله وسلم الذين انتسبوا إليه واتصلوا به. 
ثالثاً: أن لكل أمة رجالاً يُقتدى بهم، وأمة الإسلام تقتدي بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهم خير جيل وطِئَ الأرض بشهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول: (خيركم قرني)، كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
رابعاً: أن محبة أهل البيت فرض علينا، فنحن ندعو لهم في كل صلاة من الصلوات الخمس بقولنا: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد..).
خامساً: أن الدعاء للصحابة واجب بما بذلوه من تبليغ رسالة رب العالمين، وبما قاموا به من فتوحات، ونشر لتعاليم هذا الدين.
سادساً: أن الصحابة وأهل البيت يمثلون الصورة الصحيحة للإسلام، وكثير من الحاقدين على هذه الأمة يحاولون الطعن فيهم وتشويه صورتهم للطعن في دين الإسلام.
سابعاً: أن ما نلمسه في حياة الصحابة ينبغي أن يكون حياً في واقعنا، ولا يبقى مجرد أحاسيسَ ومشاعرَ وأفكارٍ وجدانية دون واقع ملموس.
ثامناً: نستفيد من هذه السيرة العطرة المباركة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة تربية أنفسنا أولاً على مبادئهم وعقائدهم، ثم نغرس هذه التربية في قلوب أبنائنا وبناتنا، فإنه بمثل حياة الصحابة وسيرهم ينتصر المسلمون، ويعز هذا الدين، ويرضى رب العالمين.
تاسعاً وأخيراً: يجب أن نتعلم من مجتمع الصحابة وأهل البيت الكرام، كيف نعمل في مجتمع واحد هو مجتمع الإسلام، الذي جعل الناس سواسيةً كأسنان المشط، لا يفرق بين الرومي، والحبشي، والفارسي، والقرشي.
فدعوة صادقة أن نحيي سيرة هؤلاء العظماء في أنفسنا وأهالينا ومجتمعاتنا، وأن نترجم أخلاقهم إلى واقع عملي؛ علَّنا أن نلحق بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن نقطع السبيل على كل من يحاول المساس بجنابهم المعظم ومقامهم المكرم، وأن ندعو لأنفسنا ولهم بالمغفرة والرضوان، كما أُمرنا في القرآن الكريم، ولا نحمل في صدورنا غلاً لأحدهم أو احتقاراً فنزيغ: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ))[الحشر:10].
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه في قوله سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[الأحزاب]، اللهم فصلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم ارضَ عن الصحابة الأخيار، وآل البيت الأبرار، اللهم إنا نشهدك حب نبيك، وأهل بيت نبيك، وأصحاب نبيك، ومن سار على نهج نبيك صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم وفقنا لِمَا تحب وترضى، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم آتِ نفوسنا تقوها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق