الاثنين، 21 أكتوبر 2013

معضلة التقية في الأحكام الشرعية بدين الإمامية

معضلة التقية في الأحكام الشرعية بدين الإمامية 



بسم الله الرحمن الرحيم 

التقية في الأحكام بدين الإمامية من أشكل المباحث وأعقدها لدى علماء الإمامية ومحققيهم , وقد وصفها محققهم البحراني في كتابه [الحدائق الناضرة] " التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية " (ج3 / ص126).
وقد كرر هذه العبارة في كتابه مرات كثيرة ألماً من داء التقية التي ألحقت الضرر بأخبارهم ومروياتهم وأشكلت عليهم الجمع بين الأخبار وتحقيقها .
وداء التقية لم يقتصر على أخبارهم ومروياتهم فحسب , بل ألحق الضرر بأصولهم الأصيلة وعقائدهم الركينة , وهذا ما سنبينه في هذا الموضوع ان شاء الله . 

أبدأ بسرد أقوال علماء الإمامية بجواز التقية في الأحكام على الأئمة وعدم جوازها على الأنبياء . 

1- حقائق الإيمان - الشهيد الثاني - ص 189فإن ثبت حكمه من الكتاب العزيز بطريق النص أو بطريق الاجتهاد فهو المراد . وإلا فليرجع إلى السنة النبوية أو الإمامية عليهما السلام ولا فرق بينهما إلا أن السنة النبوية يعمل بأقسامها الثلاثة : من القول ، والفعل ، والتقرير مطلقا ، لعدم جواز التقية على النبي صلى الله عليه وآله . وأما السنة الإمامية ، فيفرق بين حال التقية وغيرها ، لوجوبها عليهم عليهم السلام
2- الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج 2 - ص 126لأن تجويز التقية على الرسول صلى الله عليه وآله يشكل فيما يؤديه عن الله تعالى ، ونحن لا نجوز عليه التقية في ذلك
3- الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - ص 320
فإذا ثبت أن الجهة الرافعة لقبح الكذب منحصرة بالضرورة في الاضطرار إليه امتنع وقوعه منه تعالى لامتناع تحقق الاضطرار بالنسبة إليه لأنه على كل شئ قدير ولا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء ومن هنا يظهر امتناع الكذب على الأنبياء ولو من باب التقية 4- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 13 - ص 272هل كان الأنبياء يستعملون التقية ؟ استفاد جماعة من هذه الآية أن التقية حرام مطلقا للأنبياء في تبليغ الرسالة ، لأن القرآن يقول : ولا يخشون أحدا إلا الله .

5- تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 8 - ص 165
ثم وصف سبحانه الأنبياء الماضين ، وأثنى عليهم فقال : ( الذين يبلغون رسالات الله ) أي : يؤدونها إلى من بعثوا إليهم ، ولا يكتمونها ( ويخشونه ) أي : ويخافون الله مع ذلك في ترك ما أوجبه عليهم . ( ولا يخشون أحدا إلا الله ) ولا يخافون من سوى الله فيما يتعلق بالأداء والتبليغ . وفي هذا دلالة على أن الأنبياء لا يجوز عليهم التقية في تبليغ الرسالة
أقول : بعد مطالعة أقوالهم يتبادر الى الذهن تساؤل ملح " لماذا لا تجوز التقية على الأنبياء وتجوز على الأئمة ؟ 


يجيب شيخهم الشريف المرتضى في كتابه [الشافي في الإمامة] فالفرق بين الأمرين واضح لأن الرسول صلى الله عليه وآله مبتدئ بالشرع، ومفتتح لتعريف الأحكام التي لا تعرف إلا من جهته وبيانه، فلو جازت عليه التقية لأخل ذلك بإزاحة علة المكلفين، ولفقدوا الطريق إلى معرفة مصالحهم الشرعية التي قد بينها أنها لا تعرف إلا من جهته والإمام، بخلاف هذا الحكم لأنه منفذ للشرائع التي قد علمت من غير جهته، وليس يقف العلم بها والحق فيها، على قوله دون غيره" (ج4 / ص104).

أقول : قد حاول شيخهم الشريف المرتضى التصدي لإشكالات التقية ولكنه واقعا قد وقع في تخبطاتها وتناقض في كثير من أقواله .
فلم يذكر في كلامه هذا الفرق الجهوري الذي يمنع التقية من الأنبياء ويجيزها على الأئمة .

وهم بين احتمالين لا ثالث لهما 
الإحتمال الأول : أن للأنبياء عصمة مطلقة في التبليغ تعصمهم من الأذى وتعصمهم من الناس ليبلغوا رسالات ربهم .

يدل ذلك على أن الأئمة لم يحصلوا على هذه الدرجة من العصمة المطلقة لجواز التقية عليهم مما يدل على تفاوت في درجات العصمة بين الأنبياء والأئمة , وهذا ينقض دعواهم بتساوي عصمة الأنبياء والأئمة والذي قرره كثير من علماءهم . 
وينقض فلسفة النفس التي نادى بها الإمامية (الإمام علي نفس النبي)
كما أنه ينقض زعمهم بأن مرتبة الإمامة أعلى درجة من مرتبة النبوة , رغم أن لمرتبة النبوة العصمة المطلقة في التبليغ والتي لم يحصل عليها الإمام .
وينقض حصول الأئمة على الطاعة المطلقة كالأنبياء , لجواز التقية عليهم التي بسببها يطيعهم الناس في غير حق وذلك نقض للغرض .
وينقض كونهم حجج الله يحفظون شرعه وينفذون أحكام الشريعة الربانية لأن التقية تبث الريبة والشك في أخبارهم , فلا تجتمع إمامتهم الدينية والسياسية مع التقية التي هي أصل كل بلية كما قال محققهم البحراني .

الإحتمال الثاني : أن الأنبياء قد وصلوا الى درجة من الإيمان والخوف من الله تمنعهم من التقية ليبلغوا رسالات ربهم كما أوجب الله عليهم , فلا يخافون في الله لومة لائم ولا يخشون أحدا غير الله وهذا ما ذهب اليه شيخهم الشيرازي وشيخهم الطبرسي .

والقول بهذا الاحتمال يدل على أن الأئمة لم يصلوا الى الدرجات العليا من الإيمان والخوف من الله التي تمنعهم من التقية في الأحكام الشرعية , والتي يصل اليها كثير من المؤمنين كما قال تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) فاطر/28. 
وهذا ينقض عقيدة النفس وينقض أيضا اعتقادهم بأن مرتبة الإمامة أعلى درجة من النبوة وينقض كونهم حجج الله بالإضافة الى أن هذا القول يفضل كثيرا من المؤمنين عليهم لوصولهم الى الدرجات العليا من الإيمان والخوف من الله التي لم يصل إليها الأئمة .
وقد حاول شيخهم الشريف المرتضى الملقب عندهم بـ(علم الهدى) الخروج من هذا الاشكال المدمر لعقائدهم , حيث قرر بجواز التقية على الأنبياء في التبليغ شرط أن لا تكون التقية مخلة للصول الى الحق أو منفرة عنه حتى يساوي الأنبياء بالأئمة . 

الشافي في الإمامة - الشريف المرتضى - ج4 - ص106 
فإن قيل: فلو قدرنا أن النبي صلى الله عليه وآله قد بين جميع
لشرائع والأحكام التي يلزمه بيانها حتى لم يبق شبهة في ذلك ولا ريب، لكان يجوز والحال هذه عليه التقية في بعض الأحكام.
قلنا: ليس يمتنع عند قوة أسباب الخوف الموجبة للتقية أن يتقي إذا لم تكن التقية مخلة بالوصول إلى الحق، ولا منفرة عنه.

أقول : لا يصدق عاقل أن التقية في الأحكام الشرعية لا تخل بالوصول الى الحق ولا تنفر عنه وما هو الا ادعاء لم يثبت بدليل ولم يصمد أمام الواقع , لأن التقية في الأحكام هي قول غير الحق , فكيف يكون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله غير مخل للوصول الى الحق!!
وقد نكتفي للرد على هذا الادعاء بصرخة محققهم البحراني الشهيرة (التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية) .
كما أن ذلك ينقض ما قرره كثير من علماء الإمامية من حصول العصمة المطلقة للأنبياء , فهذا الخلل الذي أوجده الشريف المرتضى يقتضي عدم حصول العصمة (المطلقة) للأنبياء .
كذلك ينقض وصول الأنبياء الى الدرجات العليا من الإيمان والخوف من الله في تقيتهم هذه كما ذهب شيخهم الطبرسي وشيخهم الشيرازي ومن قال بقولهم . 
كما أن تقية الأنبياء باعتراف الشريف المرتضى تشكل فيما يؤدونه عن الله تعالى لأنهم مبتدئين بالشرع وقولهم ليس كقول غيرهم , وينقض ذلك قوله تعالى {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} سورة النجم . 

كما حاول الشريف المرتضى أن يمنع التقية من الأئمة فيما لا يعرف الا من جهتهم ليساويهم بالأنبياء ولكنه وقع في أشكال أكبر من ذلك . 

الشافي في الإمامة - الشريف المرتضى - ج4 - ص106 
فإن قيل: مع تجويز التقية على الإمام كيف السبيل إلى العلم بمذاهبه واعتقاده، وكيف يخلص لنا ما يفتي به على سبيل التقية من غيره.
قلنا: أول ما نقوله في ذلك أن الإمام لا يجوز أن يتقي فيما لا يعلم إلا من جهته، ولا طريق إليه إلا من ناحية قوله، وإنما يجوز التقية عليه فيما قد بان بالحجج والبينات، ونصبت عليه الدلالات حتى لا يكون فتياه فيه مزيلة الطريق إصابة الحق وموقعة للشبهة"


أقول : ما الذي يمنع الإمام من التقية فيما لا يعرف إلا من جهته ولا يمنعه في غير ذلك , فمهما كان السبب لابد وأن يكون فعالا فيما لا يعرف من جهته , سواء كانت عصمة أو قدرة أو خشية من الله عز وجل , فلماذا هذا التفاوت العجيب بين ما يعرف من جهة الإمام وبين ما سوى ذلك !! 
كما أن هذا القول يناقض قول الإمام الذي قرر بأنه لا يتقي في ثلاث حالات لا رابع لها .

فروع الكافي 3 : 32 / 2 باب مسح الخفين من كتاب الطهارة .
وفي مضمر زرارة ، قال  قلت له : في مسح الخفين تقية ؟ فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا : شرب المسكر ، ومسح الخفين ، ومتعة الحج ).
فلم يتطرق الإمام الى منع التقية فيما لا يعرف إلا من جهته .


أخيرا : أشياخ الإمامية يتنزهون من التقية التي ألصقوها بأئمتهم 

(كتاب العقيدة الاسلامية في ضوء مدرسة اهل البيت , ص 277) :

ولكن لا تجوز التقيّة مطلقاً في بيان معارف الدين وتعليم أحكام الاِسلام مثل أن يكتُبَ عالمٌ شيعيٌ كتاباً على أساس التقيّة، ويذكرَ فيه عقائدَ فاسدة، وأحكاماً منحرفة على أنّها عقائدُ الشيعة وأحكامُهم.ولهذا فإننّا نرى علماءَ الشيعة أظهروا في أشدّ الظروف والاَحوال، عقائِدَهُمُ الحقَّة، ولم يحدُثْ طيلةَ التاريخ الشيعيّ ولا مرة واحدةً أن أقدَمَ علماءُ الشيعة على تأليف رسالةٍ أو كتابٍ على خلافِ عقائدِ مذهبهِم، بحجّة التقيّة، وبعبارة أُخرى: أن يقولوا شيئاً في الظاهر، ويقولُوا في الباطن شيئاً ) .

هل بلغ علماء الشيعه من الايمان الدرجة التي تجعلهم يصدعون بالحق ويدفنون خوفهم من الناس في خوفهم من الله ولم يبلغ تلك الدرجة أئمتهم المعصومين ....!! 



المصدر: http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=165294

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق