الاثنين، 21 أكتوبر 2013

هل ابن سبأ حقيقة أم خيال؟

ابن سبأ حقيقة لا خيال
الدكتور سعدي الهاشمي 


إن الحمد لله نحمده ونستيعنه ونستغفره ونستهديه 
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: 

فلقد اتفق المحدثون وأهل الجرح والتعديل والمؤرخون وأصحاب كتب الفرق، والملل والنحل والطبقات والأدب، والكتب الخاصة في بعض فنون العلم على وجود شخصية خبيثة يهودية، تلك هي شخصية عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء الذي قام بدور خطير، وبذر الشر المستطير بين المنافقين والشعوبيين ومن في نفسه أهواء وأغراض، أظهر الإسلام في عهد عثمان رضي الله عنه، وأظهر الصلاح والتقرب من علي رضي الله عنه ومحبته، وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة فبدأ بالحجاز ثم بالبصرة ثم بالكوفة، ثم دخل دمشق فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه فذهب إلى مصر واستقر بها، وأخذ يراسل ويكاتب بعض المنافقين والحاقدين الناقمين على خليفة المسلمين، وجمع حوله الأعوان، ونظمهم وأخذ يبث بينهم معتقده الخبيث، ودربهم على روح التمرد والإنكار حتى تجرؤوا على قتل ثالث الخلفاء وصهر المصطفى صلى الله عليه وسلم جامع القرآن عثمان بن عفان شهيد الدار رضي الله عنه وأرضاه.. ولم يرعوا حرمة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبالوا بتلاوته للقرآن ولا الشهر الحرام. 

ولم ينكر هذا من له حظ من علم، ومسكة من عقل إلى في العصر الحاضر من هذا القرن، وهم نفر قليل ما بين مستشرق حاقد ومتابع لهم ومتقرب الزلفى لمدارسهم وفكرهم من أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا، ومسلم جاهل أو منكر مكابر من بعض شيعة اليوم، وهؤلاء جميعا جانبوا الحق الصريح وتمسكوا بأقوال متنافضة هي أوهى من بيت العنكبوت. 



موقف المستشرقين 
أما المستشرقون فأنكروه وقالوا إنه شخصية وهمية تخيلها محدثوا القرن الثاني ومن هؤلاء المستشرقين الذين أنكروه اليهودي الإنكليزي الدكتور برنارد لويس lewis,b.[1]، ويوليوس فلهوزن wellhausen,j[2] اليهودي الألماني الذي بدأ دراسته باللاهوت، وفرييد لاندر feriedlaender[3] الأمريكي، والأمير كايتاني caetani leone[4] الإيطالي. 

ومن المعلوم عند العقلاء المنصفين أن ديننا وعقيدتنا وتاريخنا وما يتعلق بتراثنا لا يمكن أن نعتمد فيه على تقولات ودراسات هؤلاء الحاقدين الذين ينضوون تحت راية الحروب الصليبية بمنهج وأسلوب فكري، لا أسلوب السيف والبارود ولو كانوا أصحاب نوايا صادقة لشرح الله صدورهم بالإيمان لما أطلعوا على صفاء الإسلام ونقاء ثوبه، ولكنهم كرسوا جهودهم وأفنوا حياتهم في إلقاء الشبهات والشكوك والضلال والريب بكل ما يتعلق بالقرآن والسنة والعقائد والنظم الإسلامية والتاريخ الإسلامي، ومعظم هؤلاء المستشرقين من القسس واليهود، وأعمالهم ومناهجهم تنظم ما بين الكنيسة ودوائر المخابرات ووزارات الخارجية إلا أفرادا هوايتهم العلم والبحث وهم قلة قليلة. 



أتباع المستشرقين 
أما أتباع المستشرقين الذين خدعوا بهم وغرهم منهجهم العلمي المزعوم فيرددون ما يطرحون من أفكار ودراسات ويدندنون حول معتقداتهم لينالوا الزلفى منهم وعلى رأسهم الدكتور طه حسين[5]، الذي غذى حجيرات مخه بفكر المستشرقين حتى كان يقول : "إنني أفكر بالفرنسية وأكتب بالعربية"[6]. 

ويكفيه خزيا أنه كان مطية لليهود، فدعاة الشيوعية في مصر في مطلع هذا العصر كانوا يهودا وهم "هنري كوريل، وراؤول كوريل، وريمون أجيون" وكانوا هؤلاء وغيرهم يمولون الحركات الشيوعية بالمال وقيل بالجنس أيضا، وقد تعاقدوا مع الدكتور طه حسين على إصدار مجلة الكاتب المصري، وكان الدكتور طه حسين قد أعلن تأييده لمفهوم اليهودية التلمودية باكرا حين أنكر وجود إبراهيم وإسماعيل وكذب القرآن والتوراة ولم يكن يُعرف في هذا الوقت الباكر أن ذلك تمهيد لتحقيق أهداف الصهيونية[7] وغير ذلك من الأفكار والضلالات التي لم يجرؤ حتى المستشرقون بالإفصاح والإعلان عنها[8]. 



أضواء على طه حسين 
ومن المعلوم عن طه حسين أن أباه جاء إلى صعيد مصر - مدير المنيا - من بلد غير معلوم من المغرب وكان يعمل وزّانا في شركة يهودية للسكر، وطه حسين هو الذي تبنى إصدار قرار بتعيين الحاخام اليهودي (حاييم ناحوم أفندي) حينذاك عضوا في مجمع اللغة العربية في القاهرة ليكون عينا على المفكرين ورجال اللغة، كما أنه عين عددا من الأساتذة الأجانب في كلية الآداب استوردهم وبعضهم يهود وكلهم كانوا يحاربون الإسلام أو يشككون فيه، وأول دكتوراه منحتها (كلية الآداب) في جامعة القاهرة تحت إشراف الدكتور طه حسين كانت بعنوان (القبائل اليهودية في البلاد العربية) تقدم بها (إسرائيل ولفنسون) عميد جامعة هاداسا في تل أبيب الآن[9]. 

بعد هذه الأضواء التي تظهر لنا بوضوح ولاء الدكتور طه حسين لليهود لا نستغرب من إفكاره لابن سبأ، يقول طه حسين: إن أمر السبإية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا قد اختُرع بأضَرَة فحين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم… الخ كلامه[10]. 



أدلة الدكتور طه حسين 
ويستدل على ما ذهب إليه أن البلاذري لم يذكر شيئا عن ابن السوداء ولا أصحابه في أمر عثمان. 

ثم يستغرب الدكتور طه حسين كيف أن حادثة تحريق عليّ للذين ألهوه والتي ذكرها الطبري كيف لم يذكرها بعض المؤرخين ولم يؤقتها، وإنما أهملوها إهمالا تاما[11]. 



الرد عليه 
أما عدم ذكر البلاذري لابن سبأ فلا يعني أسطورة وجوده، لأنه قد يذكر بعض المؤرخين ما لا يذكره البعض الآخر منهم، ثم هل التزم البلاذري بذكر كل الوقائع والأحداث؟ وربما لو ذكر البلاذري أخبار ابن سبأ وأصحابه لقال البلاذري لا يعتمد على أخباره لأنه غير متفق على توثيقه[12]. 

أما حادثة تحريق علي رضي الله عنه للذي ألهوه فسنذكرها في موقف الإمام علي من عبد الله بن سبأ وأصحابه، حيث ذُكرت في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل وهذه الروايات تغني عن الروايات التاريخية، إضافة إلى ذلك فقد ذكرت في الكتب الموثقة عند الشيعة. 



الدكتور محمد كامل حسين 
واعتبر الدكتور محمد كامل حسين قصة ابن سبأ أقرب إلى الخرافات منها إلى أي شيء آخر[13]، متابعا في ذلك الدكتور طه حسين، ولم يذكر أي دليل لما يراه. 



الدكتور حامد حفني داود 
وكذلك يرى الدكتور حامد حفني داود رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس أن ابن سبأ من أعظم الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها، هذه المفرتيات التي افتروها على الشيعة حتى لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه واعتبروها مغمزا يغمزون به عليهم[14]. 



الرد عليهم 
والدكتور حامد هذا أحد المخدوعين بفكرة التقريب، بل أحد الدعاة إليها، فلا يستغرب منه هذا الكلام ما دام يتقرب من المشككين بكتاب الله والطاعنين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين ينالون من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أمثال مرتضى العسكري صاحب كتاب (خمسون ومائة صحابي مختلق) وكتاب (أحاديث أم المؤمنين عائشة). 



الشيعة الذين ينكرون ابن سبأ 
أما الشيعة في العصر الحاضر فينكرون وجود ابن سبأ، والسبب الحقيقي لإنكارهم إياه عقيدته، التي بثها وتسربت إلى فرق الشيعة حتى المتأخرة منها، وسنذكر أقوال وآراء المنكرين ثم نثبت وجوده وعقيدته من المصادر المعتمدة عند الشيعة. 



محمد جواد مغنية وابن سبأ 
عبد الله بن سبأ في نظر الشيخ محمد جواد مغنية هو البطل الأسطوري الذي اعتمد عليه كل من نسب إلى الشيعة ما ليس له به علم وتكلم عنهم جهلا وخطأ أو نفاقا وافتراء[15]. 



مرتضى العسكري وابن سبأ 
وزعم مرتضى العسكري أنه ناقش جميع من ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ وخرج بنتيجة هي أن ابن سبأ (شخصية وهمية خرافية ابتدعها واختلقها سيف بن عمر)[16]وصنف كتابا خاصا بابن سبأ بعنوان (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى). 



الدكتور علي الوردي وابن سبأ 
وأما الدكتور علي الوردي صاحب (وعاظ السلاطين) فيرى أن ابن سبأ هو نفسه عمار بن ياسر ويستدل على ذلك بما يلي: 

1- أن ابن سبأ كان يكنى بابن السوداء ومثله في ذلك عمار بن ياسر. 

2- كان عمار من أب يماني، ومعنى هذا أنه كان من أبناء سبأ فكل يماني يصح أن يقال عنه أنه ابن سبأ. 

3- وعمار فوق ذلك كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب يدعو له ويحرض الناس على بيعته في كل سبيل. 

4- وقد ذهب عمار في أيام عثمان إلى مصر وأخذ يحرِّض الناس هناك على عثمان فضج الوالي منه وهم بالبطش به. 

5- وينسب إلى ابن سبأ قوله: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق وإن صاحبها الشرعي هو علي بن أبي طالب. 

6، 7- قضايا تتعلق بدور عمار في حرب الجمل، وفي علاقته مع أبي ذر الغفاري، ويستخلص الوردي أن ابن سبأ لم يكن سوى عمار بن ياسر، فقد كانت قريش تعتبر عمارا رأس الثورة على عثمان، ولكنها لم تشأ في أول الأمر أن تصرح باسمه، فرمزت عنه بابن سبأ أو ابن السوداء، وتناقل الرواة هذا الرمز غافلين وهم لا يعرفون ماذا كان يجري وراء الستار[17]. 

ويقول الدكتور: ويبدو أن هذه الشخصية العجيبة اختُرعت اختراعا وقد اخترعها أولئك الأغنياء الذين كانت الثورة موجهة ضدهم[18]. 



الدكتور كامل الشيبي وابن سبأ 
ثم يأتي بعد الوردي كاتب آخر هو الدكتور كامل مصطفى الشيبي الذي تابع الوردي في أوهامه وخبطه العشوائي وحاول أن يعزّز ما ذهب إليه بإيراد نصوص تثبت القضايا التي وردت في محتوياته، وتابع كذلك الدكتور طه حسين في حرق الإمام علي رضي الله عنه للسبئية فيقول: أما قضية إحراق علي المزعوم للسبئية فإنه خبر مختلق من أساسه ولم يرد على صورة فيها ثقة في كتاب معتبر من كتب التاريخ. 

ولعل أصل هذا الحادث يتصل بإحراق خالد بن عبد الله القسري بيانا وخمسة عشر من أتباعه الغلاة، ثم لما تقدم بها الزمن زحزحت الحادثة إلى الأمام قليلا حتى اتصلت بعلي[19]. 



الرد على الوردي والشيبي 
أما ما ذهب إليه الوردي وتابعه الشيبي وغيره بأن عبد الله بن سبأ هو نفسه عمار بن ياسر فكُتُب الجرح والتعديل والرجال الموثقة عند الشيعة ترد على هذا القول وذلك أن كتبهم ذكرت ترجمة عمار بن ياسر في أصحاب الإمام علي رضي الله عنه والرواة عنه، وتعده من الأركان الأربعة[20]، وذكرت ترجمة عبد الله بن سبأ وتذكر اللعنة عليه، وتمدح عمارا فكيف نجمع بين هاتين الترجمتين[21]. 

وأما تحريق السبئية فسوف نذكر الأدلة الصحيحة في موقف الإمام منهم. 



الدكتور عبد الله فياض وابن سبأ 
وكذلك أنكره الدكتور عبد الله فياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، وهو كتاب مطعم بآراء المستشرقين، وكان المشرف عليه الدكتور قسطنطين زريق أحد أساتذة دائرة التاريخ بالجامعة الإمريكية ببيروت. 

يقول الدكتور فياض: يبدو أن ابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة، وأن دوره - إن كان له دور - قد بولغ فيه إلى درجة كبيرة لأسباب دينية وسياسية، والأدلة على ضعف قصة ابن السوداء كثيرة[22]. ويستدل بما ذهب إليه مرتضى العسكري من اتهام سيف بن عمر البرجمي (ت170هـ) باختلاق هذه الشخصية، ويزعم التناقض والمبالغة في الروايات، ويعزز موقفع برأي الوردي، ومتابعة الشيبي. 



طالب الرفاعي وابن سبأ 
ويظهر بعد هؤلاء المدعو طالب الحسيني الرفاعي فيقول في حاشيته على مقدمة محمد باقر لكتاب تاريخ الإمامية والتي طبعها تاجر الكتب الخانجي بالقاهرة سنة 1397هـ/1977م باسم (التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية) على أنه لو كان ابن سبأ هذا حقيقة تاريخية ثابتة فعلا، فإنه - كما سنذكره مفصلا في مبحث خاص به - لا صلة إطلاقا بين أفكاره وبين ما اشتملت عليه عقيدة الشيعة من الوصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأنها قائمة على روايات في صحاح الفريقين من السنة والشيعة، كما هي موجودة أيضا في كتب الفريقين في التفسير والتاريخ وأصول الاعتقاد. ومن ثم فالقول بأن التشيع نتيجة من نتائج الفكرة السبئية - كما يدعى - رأي باطل"[23]. 

ولا يستغرب هذا الكلام من هذا الرجل الذي زعم أن أول من قال بالرجعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه قال :"إن الرسول صلى الله عليه وسلم: لم يمت ولن يموت"، إضافة إلى افتراءاته وضلالاته وتزييفه للحقائق الثابتة الصحيحة. 



الرد على الأقوال وعرض لمصادر ترجمة ابن سبأ 
هذه أقوال بعض شيعة العصر الحاضر، وكأنهم لم ينظروا في كتب عقائدهم وفرقهم، ومروياتهم ورجالهم وكتب الجرح والتعديل عندهم. 

وهذه طائفة من الكتب الموثقة عند الشيعة التي ذكرت عبد الله بن سبأ ومزاعمه وعقيدته والتي حملت الإمام عليا رضي الله عنه وأهل بيته الطاهرين على تكذيب ابن سبأ والتبرؤ منه ومن أصحابه السبئية وما نسبه إلى أهل البيت. 

أول هذه المصادر المهمة النادرة التي ذكر فيها ابن سبأ (رسالة الإرجاء) للحسن بن محمد بن الحنفية الفقيه الموثق الذي كان يقول: "من خلع أبا بكر وعمر فقد خلع السنة"، المتوفى سنة خمس وتسعين للهجرة[24] والتي رواها عنه الثقات من الرجال عند الشيعة. 

ثانيا: كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة 301 هـ وهو مطبوع في طهران سنة 1963م. 

ثالثا: فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث الهجري طبعة كاظم الكتبي في النجف عدة طبعات وكذا طبعة المستشرق ريتر في استانبول /1931م. 

رابعا: رجال الكشي لأبي عمرو محمد بن عبد العزيز الكشي وهو معاصر لابن قولويه المتوفى سنة 369هـ ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء. 

خامسا: رجال الطوسي لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460هـ ط الأولى النجف 1381هـ/1967م نشر محمد كاظم الكتبي. 

سادسا: شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة لعز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي المتوفى سنة 656هـ ط الأولى الميمنية 1326هـ وغيرها. 

سابعا: الرجال للحسن بن يوسف الحلي المتوفى سنة 726هـ طبعة طهران 1311هـ/ وطبعة النجف 1961م. 

ثامنا: روضات الجنات لمحمد باقر الخوانساري المتوفى سنة 1315هـ طبعة إيران 1307هـ. 

تاسعا: تنقيح المقال في أحوال الرجال للشيخ عبد الله المامقاني المتوفى سنة 1350هـ، طبعة النجف 1350هـ في المطبعة المرتضوية. 

عاشرا: قاموس الرجال لمحمد تقي التستري منشورات مركز نشر الكتاب طهران 1382هـ. 

حادي عشر: روضة الصفا تاريخ عند الشيعة معتمد بالفارسية ج2/ص292 طبعة إيران. 

ثاني عشر: دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر ومجدد ما دثر لمحمد حسين الأعلمي الحائري ط 1388هـ/1868م في المطبعة العلمية بقم. 

هذا ما تيسر لنا من كتب القوم التي اطلعنا عليها وهناك عدد كبير من كتبهم المخطوطة والمطبوعة فيها ذكر ابن سبأ والسبئية منها: (حل المشكل) لأحمد بن طاووس المتوفى سنة 673هـ، و (الرجال) لابن داود المؤلف سنة 707هـ، و(التحرير الطاووسي) للحسن بن زيد الدين العاملي المتوفى سنة 1011هـ، و (مجمع الرجال) للقهبائي المؤلف سنة 1016هـ، و(نقد الرجال) للتفرشي الذي ألفه سنة 1015هـ، و(جامع الرواة) للأردبيلي المؤلف سنة 1100هـ، و (موسوعة البحار) للمجلسي المتوفى سنة 1110هـ، وابن شهر آشوب المتوفى سنة 588هـ. 



عقيدة ابن سبأ وضلالاته 
بعد أن ذكرنا طائفة من كتب الشيعة الموثقة والمعتمدة عندهم نذكر أهم الأمور التي اعتقدها ابن سبأ وحمل أتباعه على الاعتقاد بها والدعوة إليها، وهكذا تسربت هذه الأفكار الضالة إلى فرق الشيعة، والسبب في استدلالنا في بيان معتقد هذا اليهودي من كتبهم ومن رواياتهم عن المعصومين عندهم. 

لأنهم يقولون : "إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند أهل السنة"[25]. 

ويقولون أيضا: "ولما كان الإمام معصوما عند الإمامية فلا مجال للشك فيما يقول"[26]، ويقول المامقاني : "إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن المعصوم"[27]. 

وكتاب المامقاني من أهم كتب الجرح والتعديل عندهم. 

بعد هذه الأقوال التي تُلزم القوم في قبول الأخبار المروية في مصنفاتهم نذكر أهم الضلالات التي نادى بها ابن سبأ وهي: 

1- القول بالوصية: وهو أول من قال بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، وأنه خليفته على أمته من بعده بالنص. 

2- أول من أظهر البراءة من أعداء علي رضي الله عنه - بزعمه - وكاشف مخالفيه وحكم بكفرهم. 

والدليل على مقالته هذه ليس من تاريخ الطبري، ولا من طريق سيف بن عمر بل ما رواه النوبختي والكشي والمامقاني والتستري وغيرهم من مؤرخي الشيعة. 

يقول النوبختي: "وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصيّ بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه - يقول النوبختي - فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود"[28]، وفي هذا المقام نشير إلى أن فكرة الوصية التي اعتمد عليها ابن سبأ ذكرت في التوراة في إصحاح (18) من سفر (تثنية الاشتراع) وفيه أنه لم يخلُ الزمان أبدا من نبي يخلف موسى ومن نوعه ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيش أثناء حياته. 

ويقول النوبختي عند ذكره السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال : إن عليا عليه السلام أمره بذلك[29]. 

3- كان أول من قال بألوهية وربوبية علي رضي الله عنه . 

4- كان أول من ادعى النبوة من فرق الشيعة الغلاة. 

والدليل على ذلك ما رواه الكشي بسنده عن محمد بن قولويه القمي قال حدثني سعد بن عبد الله ابن أبي خلف القسي قال حدثني محمد بن عثمان العبدي عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان قال حدثني أبي عن أبي جعفر (ع) أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين (ع) هو الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع) فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال نعم أنت هو، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين (ع) ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار - والصواب أنه نفاه إلى المدائن بعد أن شُفع له على ما سنبينه في موقف الإمام منه - وقال - أي الإمام - إن الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك[30]. 

وروى الكشي بسنده أيضا عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال حدثني يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال: "إنه لما ادعى ذلك استتابه أمير المؤمنين (ع) فأبى أن يتوب وأحرقه بالنار"[31]. 

5- كان ابن سبأ أول من أحدث القول برجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا بعد موته وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول مكان أظهر فيه ابن سبأ مقالته هذه في مصر فكان يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب برجوع محمد وقال الله عز وجل : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} فمحمد أحق بالرجوع من عيسى فقبل ذلك منه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها [32]. 

فإن لم يرض القوم برواية ابن عساكر الثقة التي رواها في تاريخه وكذا غيره فاسمع إلى ما قالته السبئية لمن أخبرهم بمقتل سيدنا علي رضي الله عنه ونعاه، قالوا: "كذبت يا عدو الله لو جئتنا - والله - بدماغه ضربةً فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض…الخ" [33]، وهذا الخبر ذكره سعد بن عبد الله الأشعري القمي صاحب كتاب المقالات والفرق الذي هو موضع ثقة عند الشيعة، ونقل النوبختي في فرق الشيعة مقالة السبئية وهي: "أن عليا لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلماوجورا" [34]. 

بقي علينا في هذا المقام أن نعرف مفهوم عقيدة الرجعة عند الشيعة يقول محمد رضا المظفر: "إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعز فريقا ويذل فريقا آخر، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ، ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ثم يصيّرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يسنحقونه من الثواب أو العقاب كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلَحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون : {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[35]. 

والتفسير الصحيح لهذه الآية ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "هي مثل التي في البقرة: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم بعد الموت"، أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه[36]. 

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "كنتم أمواتا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فهذه حياة ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان فهو كقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}"[37]. 

6- ادعى ابن سبأ اليهودي أن عليا رضي الله عنه هو دابة الأرض وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق. 

قال ابن عساكر: روى الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: "لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: "أنت دابة الأرض"، فقال له: "اتق الله"، فقال له : "أنت الملك"، فقال له: "اتق الله"، فقال له: "أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق" فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: "دعه وانفه إلى ساباط المدائن.."[38]. 

وروى الكليني في أصول الكافي بسنده إلى علي رضي الله عنه أنه قال: "ولقد أعطيت الست علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكّرات - أي الرجعات إلى الدنيا - ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس" [39]. 

وروى عن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان آية في كتاب الله أفسدت قلبي، قال عمار: وأية آية هي؟، فقال: هذه الآية - أي { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} (81) من سورة النمل - فأية دابة الأرض هذه"؟ قال عمار: "والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها" فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (ع) وهو يأكل تمرا وزبدا فقال: "يا أبا اليقظان هلم"، فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل: "سبحان الله حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب حتى ترينيها" قال عمار: "أريتكها إن كنت تعقل"[40]. 

7- وقالت السبئية: إنهم لا يموتون وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بـ (الطيارة) يقول طاهر المقدسي: "وأما السبئية فإنهم يقال لهم الطيارة يزعمون أنهم لا يموتون وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس"[41]. 

ولقد استخدم أئمة الجرح والتعديل من الشيعة هذه التسمية وهي من ألفاظهم في تجريح الرواة. 

يقول الطوسي: وهو أحد الأئمة الأثبات عند الشيعة في ترجمة نصر بن صباح يكنى أبا القاسم من أهل بلخ - وبلخ في أفغانستان - لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء، وروى عنهم إلا أنه قيل كان من (الطيارة) غالٍ[42]. 

8- وقال قوم من السبئية بانتقال روح القدس في الأئمة وقالوا (بتناسخ الأرواح)، يقول ابن طاهر المقدسي: "ومن الطيارة (أي السبئية) قوم يزعمون أن روح القدس كانت في النبي كما كانت في عيسى ثم انتقلت إلى عليّ ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم كذلك في الأئمة، وعامة هؤلاء يقولون بالتناسخ والرجعة"[43]، ولعل كتاب الحسن بن موسى النبوختي المسمى بـ (الرد على أصحاب التناسخ) صنفه النوبختي في الرد عليهم[44]. 

9- وقالت السبئية: "هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي عنهم". 

10- وقالوا: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي"، ولقد رد على مقالتهم هذه أحد أئمة أهل البيت وهو الحسن بن محمد بن الحنفية في رسالته التي سماها بـ (الإرجاء) والتي رواها عنه الرجال الثقات عند الشيعة فيقول: و"من قول هذه السبئية: "هُدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عنهم"، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله كتم تسعة أعشار الوحي، ولو كتم صلى الله عليه وسلم وآله شيئا مما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى: { تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِك…}"[45]، وقال الحافظ الجوزجاني (ت259هـ) عن ابن سبأ: "زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي فنهاه عليّ بعدما همّ به".[46] 

11- وقالوا: إن عليا في السحاب، وأن الرعد صوته، والبرق سوطه، ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال: عليك السلام يا أمير المؤمنين [47]، ولقد أشار إلى معتقدهم هذا اسحاق بن سويد العدوي في قصيدة له برئ فيها من الخوارج والروافض والقدرية، منها: 

برئت من الخوارج لست منهم 
من الغَزَّالِ منهم وابن بـاب 

ومن قـوم إذا ذكـروا عليـا 
يردُّون السلام على السَّحاب [48] 

وعقب الشيخ محي الدين عبد الحميد - رحمه الله - على هذا المعتقد بقوله: "ولا زلت أرى أطفال القاهرة يجرون وقت هطول الأمطار، ويصيحون في جريهم (يا بركة عليّ زود)"[49]. 



موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته من ابن سبأ وأتباعه 

قال علي رضي الله عنه : "سيهلك فيّ صنفان محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق،و خير الناس فيّ حالا النمط الأوسط فالزموه والزموا السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة"[50]. 

وهكذا شاء الله أن ينقسم الناس في علي رضي الله عنه إلى ثلاثة أقسام القسم الأول مبغض مفرط وهؤلاء الذين تكلموا فيه بل غالى بعضهم فقالوا بكفره كالخوارج. 

والقسم الثاني أفرط في حبه وذهب به الإفراط إلى الغلو حتى جعلوه بمنزلة النبي بل ازدادوا في غيهم فقالوا بألوهيته. 

وأما السواد الأعظم فهم أهل السنة والجماعة من السلف الصالح حتى الوقت الحاضر فهم الذين أحبوا عليا وآل بيته المحبة الشرعية، أحبوهم لمكانتهم من النبي صلى الله عليه وسلم . 

ولقد جابه علي رضي الله عنه القسم الأول فقاتلهم بعد أن ناظرهم وأخباره معهم معروفة مسرودة في كتب التاريخ، ونريد أن نرى موقفه هو وأهل بيته من ابن سبأ وأتباعه. 

لما أعلن ابن سبأ إسلامه وأخذ يظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكسب قلوب فريق من الناس إليه أخذ يتقرب من علي بن أبي طالب ويظهر محبته له فلما اطمأن لذلك أخذ يكذب ويفتري على علي بن أبي طالب نفسه الكذب، قال عامر الشعبي - وهو أحد كبار التابعين توفي 103هـ -:"أول من كذب عبد الله بن سبأ وكان ابن السوداء يكذب على الله ورسوله وكان علي يقول: ما لي ولهذا الحميت الأسود" (والحميت هو المتين من كل شيء)[51]، يعني ابن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر[52] 

وروى ابن عساكر أيضا أنه لما بلغ علي بن أبي طالب أن ابن السوداء ينتقض أبا بكر وعمر دعا به، ودعا بالسيف وهمّ بقتله، فشفع فيه أناس فقال: "والله لا يساكنني في بلد أنا فيه"، فسيره إلى المدائن[53]. 

وقال ابن عساكر أيضا: روى الصادق - وهو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولد سنة 83هـ، في المدينة المنورة وتوفي فيها سنة 148هـ، وهو الإمام السادس المعصوم عند الشيعة - روى عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: "أنت دابة الأرض"[54] فقال له: "اتق الله"، فقال له: "أنت الملك"، فقال : "اتق الله"، فقال له: "أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق" فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: "دعه وانفه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة - يعني الكوفة - خرج أصحابه علينا وشيعته" فنفاه إلى ساباط المدائن فثمّ القرامطة والرافضة - أي كانت بعد ذلك وبجهود ابن سبأ مركزا يجتمعون فيه قال - أي جابر - ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلا فقال: "ارجعوا فإني علي بن أبي طالب مشهور وأمي مشهورة وأنا ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم"، فقالوا: "لا نرجع دع داعيك"، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة، فقال: "من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم علينا أنه إله"، واحتجوا بقول ابن عباس لا يعذب بالنار إلا خالقها[55]. 

هذا موقف الإمام علي رضي الله عنه في ابن سبأ وأتباعه، نفاه إلى المدائن وأحرق طائفة من أتباعه، ومن لم يقتنع بهذه الروايات والتي بعضها رواها أحد المعصومين عند القوم وأبى إلا المكابرة والعناد، نذكر له ما ورد في حرق هؤلاء في الروايات الصحيحة عند أهل السنة والجماعة وبعدها روايات القوم. 

روى البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد/باب لا يعذب بعذاب الله بسنده إلى عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرق قوما فبلغ ابن عباس فقال: "لو كنت أنا لم أحرقهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه". 

وروى البخاري في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه وفيه قال: "أُتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم"[56]. 

ورواه كذلك أبو داود في سننه في كتاب الحدود / باب الحكم فيمن ارتد الحديث الأول بسنده إلى عكرمة بفلظ آخر وفي آخره فبلغ ذلك عليا فقال: "ويح ابن عباس" ورواه كذلك النسائي في سننه[57] نحوه، ورواه الترمذي في الجامع في كتاب الله الحدود / باب ما جاء في المرتد وفي آخره، فبلغ ذلك عليا فقال: "صدق ابن عباس"، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد[58]. 

وروى البخاري أيضا في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه، وفيه قال: "أُتي علي رضي الله عنه[59] بزنادقة فأحرقهم". 

وروى الطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد بن غفلة "أن عليا بلغه أن قوما ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: "صدق الله ورسوله.."[60]. 

وفي الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: "إن هنا قوما على باب المسجد يدعون أنك ربهم" فدعاهم فقال لهم: "ويلكم ما تقولون؟" قالوا: "أنت ربنا وخالقنا ورازقنا"، فقال: "ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا" فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: "قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام"، فقال: "أدخلهم" فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال: "لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة" فأبوا إلا ذلك، فقال: "يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدّ لهم أخدودا بين باب المسجد والقصر"، وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض" وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: "إني طارحكم فيها أو ترجعوا"، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال: 

إني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا 

وقال ابن حجر: هذا سند حسن[61]. 

إضافة إلى هذه الروايات ، فقد روى الكليني في كتابه الكافي - الذي هو بمنزلة صحيح البخاري عند القوم - روى في كتاب الحدود في باب المرتد بسنده من طريقين عن أبي عبد الله أنه قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: "السلام عليك يا ربنا" فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها نارا وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها وأفضى ما بينهما فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الأخرى نارا حتى ماتوا"[62].ويبدو أن عليا رضي الله عنه قد كرر عقابه لغير هؤلاء أيضا وهم الزط، فقد روى النسائي في سننه (المجتبى) عن أنس أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم، قال ابن عباس: "إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"[63]. 

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق قتادة (أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم) وحكم ابن حجر على هذا الحديث بالانقطاع ثم قال: فإن ثبت حمل على قصة أخرى فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضا من طريق أيوب بن النعمان أنه قال: "شهدت عليا في الرحبة فجاءه رجل فقال: "إن هنا أهل بيت لهم وثن في دار يعبدونه" فقام يمشي إلى الدار فأخرجوا بمثال رجل قال فألهب عليهم الدار"[64]. 

وروى الكشي في كتابه معرفة أخبار الرجال بعد ترجمة عبد الله بن سبأ تحت عنوان (في سبعين رجلا من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام)، بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: "إن عليا عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلا من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، وقال لهم: "إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق"، قال: فأبوا عليه وقالوا له: "أنت أنت هو"، فقال لهم: "لئن لم ترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم"، قال: فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا، فأمر أن يحفر لهم آبار فحفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا[65]. 

ومن المناسب ما دمنا نتكلم عن تحريق علي بن أبي طالب لأصحاب ابن سبأ والزنادقة أن نذكر حادثة أخرى ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، يقول ابن أبي الحديد: "وروى أبو العباس أحمد بن عبيد بن عمار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين، وروى أيضا عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته (أن عليا عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال : "أسفر أم مرضى"، قالوا: "لا ولا واحدة منها"، قال: "فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية"، قالوا: "لا"، قال: فما بال الأكل في نهار رمضان، فقاموا إليه فقالوا: "أنت أنت" يومئون إلى ربوبيته، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خده بالأرض، وقال: "ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام" فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: "شدوهم وثاقا وعلي بالفعلة والنار والحطب" ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل إحداهما سربا والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحا وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام، فأبوا، فأمر بالحطب والنار فألقي عليهم فأحرقوا فقال الشاعر: 

لترم بي المنية حيث شاءت 
إذا لم ترمني في الحفرتين 

إذا ما حشنا حطبا بنار... 
فذاك الموت نقدا غير دين 

فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حمما[66]. 

هذه الروايات التي وقفنا عليها في الأحاديث الصحيحة والحسنة والروايات التاريخية وكذلك من كتب القوم المتعلقة بالأصول والفقه والرجال والتاريخ التي تدل بكل وضوح على أن عليا رضي الله عنه قد حرق الزنادقة ومن اعتقد فيه الربوبية ومنهم أصحاب ابن سبأ الملعون، أما هو فكما تذكر الروايات - سواء روايات أهل السنة والجماعة وروايات الشيعة - أن عليا رضي الله عنه اكتفى بنفيه إلى المدائن بعد أن شفع له الرافضة. 

قال النوبختي في كتابه الشيعة في ترجمة ابن سبأ: "وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس عليه "يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك" فصيره إلى المدائن"[67]. 



ابن سبأ يدعو الناس في المدائن لدعوته 
إن عبد الله بن سبأ وجد بعد نفيه مكانا مناسبا لبث أفكاره وضلالاته بعد أن ابتعد من سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فأخذ ينظم أتباعه وينشر أفكاره بين جيش الإمام المرابط في المدائن، ولما جاءهم خبر استشهاد علي رضي الله عنه كذبه هو وأصحابه، ولنستمع للخبر كما يرويه الخطيب البغدادي بسنده إلى زحر بن قيس الجعفي الذي قال عنه علي رضي الله عنه: "من سره أن ينظر إلى الشهيد الحي فلينظر إلى هذا" - يقول زحر: "بعثني علي على أربعمائة من أهل العراق وأمرنا أن ننزل المدائن رابطة، قال: "فوالله إنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذا جاءنا رجل قد أعرق دابته قال فقلنا: "من أين أقبلت؟" قال: "من الكوفة"، فقلنا: "متى خرجت؟" قال: "اليوم"، قلنا: "فما الخبر؟"، قال: "خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة صلاة الفجر فابتدره ابن بجرة وابن ملجم فضربه أحدهما ضربة إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها"، قال: "ثم ذهب" فقال عبد الله بن وهب السبائي ـ ورفع يده إلى السماء ـ: "الله أكبر، الله أكبر" قال: قلت له: "ما شأنك؟" قال: "لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه" ـ وفي رواية الجاحظ في البيان والتبيين: "لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم بعصاه" [68]ـ نعود لرواية الخطيب قال ـ أي زحر ـ: "فوالله ما مكثنا إلا تلك اليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي: من عبد الله حسن أمير المؤمنين إلى زحر بن قيس أما بعد: فخذ البيعة على من قبلك"، قال: فقلنا: "أين ما قلت؟" قال: "ما كنت أراه يموت" [69]. 

وقال الحسن بن موسى النوبختي: "ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلا لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض" [70]. 



رواية عبد الجبار الهمداني في موقف ابن سبأ 

قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي المتوفى سنة 415هـ عند كلامه عن موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ابن سبأ والسبئية : "واستتابهم أمير المؤمنين فما تابوا فأحرقهم، وكانوا نفرا يسيرا، ونفى عبد الله بن سبأ عن الكوفة إلى المدائن، فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ: "قد قتل ومات ودفن، فأين ما كنت تقول من مصيره إلى الشام؟" فقال: "سمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فأستخرج منها السلاح وأصير إلى دمشق فأهدم مسجدها حجرا حجرا، وأفعل وأفعل فلو جئتمونا بدماغه مسرودا لما صدقنا أنه قد مات" ، ولما افتضح بهت، وادعى على أمير المؤمنين ما لم يقله، والشيعة الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها والعراق كله يقولون: "أمير المؤمنين كان راضيا بقوله وبقول الذين حرقهم، وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر، ثم أحياهم بعد ذلك"، قالوا: "وإلا فقولوا لنا لِمَ لَمْ يحرق عبد الله بن سبأ؟" قلنا: عبد الله ما أقر عنده بما أقر أولئك، وإنما اتهمه فنفاه، ولو حرقه لما نفع ذلك معكم شيئا، ولقلتم إنما حرقه لأنه أظهر السر"[71]. 



موقف أتباع عبد الله بن سبأ لما سمعوا بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 

أما أتباع ابن سبأ فلم يكتفوا بالتكذيب بل ذهبوا إلى الكوفة معلنين ضلالات معلمهم وقائدهم ابن سبأ. 

فقد روى سعد بن عبد الله القمي صاحب المقالات والفرق وهو ثقة عند القوم: "أن السبئية قالوا للذي نعاه : "كذبت يا عدو الله لو جئتنا - والله - بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وإنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض". ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحايته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده: "سبحان الله، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟" قالوا: "إنا لنعلم أنه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه كما قادهم بحجته وبرهانه وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار القيل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام"[72]. 

وكان من هؤلاء رجل يقال له رشيد الهجري الذي صرح بمعتقده أمام عامر الشعبي قال الشعبي: "دخلت عليه يوما فقال: خرجت حاجا فقلت: لأعهدن بأمير المؤمنين عهدا فأتيت بيت علي عليه السلام فقلت لإنسان: "استأذن لي على أمير المؤمنين" قال: "أوليس قد مات؟" قلت: "قد مات فيكم والله إنه ليتنفس الآن تنفس الحي"، فقال: "أما إذ عرفت سر آل محمد فادخل" قال : "فدخلت على أمير المؤمنين وأنبأني بأشياء تكون" فقال له الشعبي: "إن كنت كاذبا فلعنك الله"، وبلغ الخبر زيادا ـ فبعث إلى رشيد الهجري فقطع لسانه وصلبه على باب دار عمرو بن حريث"[73]. 

وذكر الحافظ الذهبي هذا الخبر في تذكرة الحفاظ وف 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق