الشيعي العربي نوري المرادي ومراجعات لقصة عيد الغدير
عن كذبة الغدير - د. نوري المرادي
د.نوري المرادي
أنا من اللحظة ألفظ قصة الغدير وأتهم من يعتنقها!
أشهد أن الله قد كرّم الله وجهك يا بن أبي طالب عن كذبة الغدير!
أثار استغرابي قبل أيام احتفال غير معهود بما أسموه "عيد الغدير".
ومبعث الاستغراب أن ما أذكره من العراق حتى يوم مغادرتي كليا نهاية 1970 لم أكن احتفل بهذا العيد مع أهلي ولا أصدقائي. رغم أن عيدا بهذه الأهمية للوسط الذي نشأت فيه ما كان ليمر خفية. وأنا كنت مؤذن المصلين في مسجد القسم الداخلي التابع لثانوية العمارة ما بين لعامي 1963/1964. وكنت أتردد على حسينيات العمارة في شارع المعارف دوريا، وكل اثنين كنا نحضر محاضرة في المكتبة الإسلامية في شارع بغداد بالعمارة يلقيها أمين المكتبة وقتها السيد محمد عبيد الخاقاني. فضلا عن أن والدي موسى شوكت هو مرجع ناحية كميت الديني وأحد مقرئيها المعدودين. ما بالك والمدينة صغيرة أصلا وشيعية بنسبة 99% تقريبا.
اللهم نعم! نحن كنا نعرف قصة الغدير ونذم ناكريه، لكنا لم نحتفل به كعيد.
بينما يوم أمس تنادى الشعراء والرواديد متبارين بقصائدهم الركيكة في دواوين مدينتي كربلاء والنجف مدحا لهذا العيد وذما لناكريه. وهناك من يوزع الشربت والحلوى كلما دخل زائر معيّد جديد وكأننا في عيد رمضان والأضحى. كما خصصت فضائية "العراقية" بثها لعيد الغدير وقابلت سيدا بعمامة ولباس كامل السواد تحدث عن غدير خم وفضائله وجرم ناكريه وذكر أيضا قصته لكن بملامح بشر وقناعة طافحة على محيّاه تشير إلى أنه أبلغ أمرا إلى العالمين فتبشر بالجنة مقدما. وهنا بدا الاستغراب. أعني استغرابي شخصيا.
فأما أن يكون شيعة ما قبل السبعينات قد كفروا حين غمطوا حق عيد الغدير، أو أن هذا المعمم صفوي ألصق بنا أمرا تلموديا جديدا، كألقاب الآي والحجج وتقديس السر والعلن. لذا بدأ شكي بالموضوع، خصوصا وقد جاء عيد الغدير هذا مع مناسبة ذكرى نفوق الخنزيرين ابني حكيم مهدي وباقر، والتي كتب عنها أحد الصفويين قائلا: (( نعزي صاحب الزمان المهدي المنتظر عجل الله فرجه بذكرى وفاة الـ ... مهدي وباقر ،،،الخ )) وهكذا! وإن صاحب الزمان المهدي المنتظر قد نصب خيمة يتلقى فيها التعازي ولكن بموت خنزيرين عميلين، بينما لم يتلق التعازي بموت الصدر الثاني والخميني والكليني ولا ذكرى أي من الطالبيين أجداده. وإضافة فقد انتهيت للتو من كتابي "شنعار أرض اللاهوت" الذي تناولت فيه تغني اليهود بدولة إسرائيل في التريخ، حتى وصفوا ملوكها وشوارع مدنها وقادة جيوشها وأكابر شيوخها،،الخ. لكن لا أحد منهم يستطيع ذكر اسمها واسم عاصمتها. وتساءلت عندها كيف نشي رب إسرائيل اسم دولة إسرائيل واسم عاصمتها ولم يذكره صريحا بلا لبس فلا يتكهن به اللاحقون، ولا يختلفون.
المهم قد تراكمت المبررات، فأضفت شكا على قصة غدير خم.
وكل متابع راقب نحلة التلمودوصفويين المحتفلة بعيد الغدير وجدها لم تصدق بشيء فلم ستصدق بهذا؟!
وقبل مواصلة الحديث، أثبت هنا ما كنت ولازلت وسأبقى أقوله دائما، وهو أن مذهب التشيع بريء من نحلة الصفويين، والإسلام وآل البيت منها ابرأ. وإنما هي نحلة تلمودية مدسوسة على التشيع والإسلام معا. كما أثبت أيضا إن ما أقوله لاحقا لا يغمط إمامنا عليا موقعه، ومن يشأ الإطلاع على قرائتي الشخصية لموقع الإمام علي وابنه الإمام الحسين في الدين فليعد إلى مقالي (( المهدي المنتظر)) المؤرشف على موقع (الحوار المتمدن) وغيره من المواقع والذي يتضمنه أيضا كتابي (( شنعار أرض اللاهوت ))
ليكن هذا ثابتا، وليُخرَج عن قضية غدير خم. ذلك أن حديث (( غدير خم )) كذب ما أنزل الله به من سلطان، وموضوع بقصد تكفير الرسول محمد ص وأصحابه وأخصهم العشرة المبشرة بالجنة ولتخوين الإمام علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين، واتهامهما في دينهما.
هذا هو الواقع، ولمن يتطير فليتوقف عن مطالعة بقية المقال. أما من أراد التثبت فليواصل!
وحقيقة، فإخوتنا المتدينون، سلفيون أو لا سلفيين، يكتفون من الأخبار بالعنعنة. وعلى سبيل المثال يأخذون من الحديث الشريف للرسول سنة لمجرد إسناده. حتى وإن جاء السند على الشكل التالي: (( عن فلان عن فلان عن فلان وقيل عن فلان أسنده إلى أبيه عن فلان عن فلان عن أبي هريرة عن عائشة عن رسول الله أنه قال )) هذا الإسناد لا يوافي مقاييسي الشخصية للأخذ برأي. فالحديث طالما احتوى (وقيل) بطل تواتره. ومن واتره قوم عاشوا قبلنا بألف عام ولا ندري معاييرهم عن التواتر. فمنهم من يجعل الفرد سندا وحجة ومنهم لا. ومنهم من يأخذ عن جماعة بعينها وينكر الآخرين دونما حساب للصدق من عدمه. فكثرت الموضوعات وجرى الاختلاف.
أما نحن العلمانيين، ما بالك بالماركسيين، فلا قيمة عندنا لتواتر العنعنة، أو لا قيمة له مع ميزان العقل. وأنا شخصيا خريج كلية زراعة. وكل اختصاصات الزراعة تجارب حتى في الإرشاد. وفي عملي الأكاديمي أيضا كنت قد درّست خلال عشر سنين متتالية المواد: صوت، ضوء، حرارة، ميكا************، هيدروليك، طرق ري، صيانة موارد المياه، فيزياء تربة، كيماء تربة، كيمياء عضوية، وكيمياء فيزيائية. وكل هذه العلوم تطبيقية تجريبية بحتة. وفوق هذا وذاك، لابد وانتبه من يقرأ لي أني حشري دهري بعض الشيء، أو قلها دقّي جدا. وبهذا سأتعامل مع خبر غدير خم، وأرجو المعذرة مقدما.
وخبر ((غدير خُم)) كما ورد على لسان وكتابات كل مدعيه، ومنهم السيد محمد كاظم القزويني في كتابه (الإمام علي من المعهد إلى اللحد) يتلخص بالتالي:
في السنة العاشرة للهجرة وفي يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة وبينما كان الرسول عائدا من حجة الوداع، وفي منطقة غدير خُم القريب من الجحفة، وكان الوقت قائضا وفي ظهيرة شديدة الحر، أوقف الرسول ص الجموع الغفيرة التي كانت معه ليخطب. حيث نزلت عليه آية هي: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )) (المائدة) فوقفت الجموع والتحق من تأخر وتراجع المتقدمون فاجتمع ما يقدر عدده 120الفا كما يقول بن الجوزي وفيهم أكثر الصحابة، ونهى عن خمس شجرات سمر متقاربات كنس ما تحتهن وأم الناس لصلاة الظهر تحتهن. وقد نصب له منبرا من أقتاب الإبل فخطب حتى وصل قوله:
أنظروا كيف تخلفوني في الثقلين، فقالوا وما الثقلان يا رسول الله فقال الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي. وأن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقان حتى يردان علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا. ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رئي بياض أباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاثا، أو أربعا ثم قال اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من بغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق حيث دار ألا فليبلغ الشاهد الغائب. ولما فرغ من خطبته نزل ونصب سرادقا لعلي وأمر المسلمين أن يبايعوه بالخلافة ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين فتهافت الناس يبايعونه حتى أقبل الشيخان أبو بكر وعمر وسألا الرسول قائلين هذا أمر منك أم من الله؟! فقال النبي وهل يكون هذا عن غير أمر الله؟! فقالا نِعم أمر الله ورسوله. فقاما وبايعا فقال عمر السلام عليك يا أمير المؤمنين بخ بخ لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم بعد أن فرغ الناس من المبايعة، صعد حسان بن ثابت على مرتفع وقال:
يناديهـــم يوم الغديــــــر نبيهــم بخــم وأسمـــع بالنبـــي مناديا
وقد جاءه جبريل عــن أمر ربه بأنــك معصوم فلا تك وانيــــــا
وبلغهموا ما أنــزل الله ربهــــم إليك ولا تخشى هنـاك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافـــع كفــــــــه بكف علي معلـن الصوت عاليا
وقال فمــــن مولاكــــم ووليكـم فقالوا ولم يبـــدوا هنـاك تعاميا
الهـك مولانــــا وأنـــت ولينــــا ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا فقال له قــــم ياعلـــيفإننـــــي رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهـــذا وليـــــه فكونوا لهأنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهـــم وال وليـــــــه وكن للذي عادى عليا معاديــــا
فيا رب انصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلـو الدياجيا
فلما فرغ الجميع ونزل حسان نزلت الآية: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) (المائدة)
هذه هي قصة خبر غدير خم كاملة, وهي تحتوي المكونات " الماتيفات " الأساسية التالية:
آية نزلت تأمر بولاية علي ك أوجبت آية أخرى تنفيذها وبشرط إن لم يفعل فما أكمل رسالة الإسلام.
خطبة من الرسول بمئة وعشرين ألفا من المسلمين وفيهم كبار الصحابة.
مبايعة الناس للإمام علي وسلامهم عليه بإمرة المؤمنين.
شك من عمر وأبي بكر بأن يكون الأمر من الله لذا استفسرا الرسول عنه.
قصيدة من حسان بن ثابت تمدح البيعة. ثم آية تشير إلى رضا الله لتمام بيعة علي.
فلنر أي من هذه المكونات يصمد للنقد، أو حقيقة لنر إن كان ولو جزءا يسيرا منها صادقا!
ولنبدأ بالأيسر ثم الأصعب!
أولا:
قصيدة حسان بن ثابت، ولنا عليها المآخذ التالية:
1 - أن الإنساب في التسمية يأتي لاحقا. فقيل "عام الفيل" ليس في عام الفيل ذاته، وإنما بعد سنين وحين كان الحدث الأبرز في ذلك العام هو فيل أبرهة. وسمي "يوم بعاث: لاحقا، وسميت معركة القادسية بعد أن تنوقلت أخبارها وتبين أنها وقعت بمنطقة القادسية فنسبت إليها. ولا نسمي الوليد ساعة ولادته إنما بعدها بأيام. ولم نسمها "حجة الوداع" لولا أن الأحداث جرت حقا بمضمونها وتوفي الله الرسول الكريم قبل الحجة القادمة. وقاعدة التسمية هذه سار حتى الله سبحانه وتعالى عليها فسمّى ليلة نزول القرآن على النبي في غار حراء أو نزوله جملة إلى السماء الدنيا، سماها لاحقا في سورة متأخرة هي سورة القدر. لكن حسان بن ثابت شذ عن هذه القاعدة المطلقة وسمى يوم تنصيب الإمام علي بـ (يوم الغدير) بمجرد أن انتهت المبايعة وقبل أن يعرف أنْ ربَّ حدثٍ أكثر جلالا سيقع فينسب اليوم إليه.
2 - لم يقل الرسول أن سبب توقفه للخطابة آية نزلت عليه، وهي (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ،،الخ)) ولم يقرأ نصها للسامعين خلال خطبته. ولا يوجد مصدر شيعي واحد يقول أن الرسول قالها آنها. ولو قالها لما تجرأ عمر وأبو بكر وسألاه إن كانت توليته لعلي منه أم من الله. المهم إن نص الآية لم يرد على لسان الرسول لكن حسان بن ثابت علم بنزول الوحي ونص الآية أيضا. وهذا محال، وكذب، ما لم يكن حسان نبيا رديفا للرسول محمد.
أقول (وقول المعصوم أنا لكم وزيراً خيرا لكم من أمير فيه مخالفة صريحة للنبي صلى الله الله عليه وسلم حيث عينه خليفة وقائد للأمة وهو يرد على النبي صلى الله الله عليه وسلم التنصيب ويقول بل وزير)
3 - شاعر فقيه كحسان لا يخطأ باللغة العربية ولا يقول "أسمع بالنبي مناديا". وإنما "أكرم بالنبي " أو أنعم بالنبي مناديا". وشاعر كحسان لا يقول "ولا تك وانيا" بدل متوانيا، ولا يقول "إلهك مولانا" بدل "الله مولانا" ولا يقول "رضيتك من بعدي" بدل "رضاك الله من بعدي" ولا يكرر في خمسة أبيات متتالية 3 مرات كلمة "مولى" و4 مرات كلمة "ولي". هذه أمور تجوز لرادود لطميات وليس لشاعر مخضرم تخافه مفردات اللغة.
4 - وشخصيا ألتزم التفعلية في قصائدي ولا أخرج عنها في الحشو، الأمر الذي يتسامح فيه غيري. لكن لا شاعر، ما بالك بحسان بن ثابت، يخرج عن تفعيلة العروضة والقافية. ولو فصلنا قصيدة حسان أعلاه لن تجد بيتا يشبه أخاه في اختلافات تفعيلة الحشو ما بالك بخلافات ظاهرة في العروضة والقافية. أو عموما ليتمكن أحدكم من تقطيع هذه القصيدة.
5 - تكرر في القصيدة اسم الإشارة "هناك" الدال معنويا على البعد الظرفي للزمان والمكان. حيث هو يعني: في ذلك الموضع، أو آنها. وإسم الإشارة " هناك " يخرج الذي يقوله عن محيط الحدث المشار إليه. وأنت مثلا تصف محيطك بالقول "هنا، بيننا، حولي" أو لا تستعمل اسم إشارة نهائيا. أما أن تصف حالا أنت مفصول عنها وهي بعيدة عنك فتقول: "هناك، آنذاك، في ذلك المكان،،الخ". ولو كان حسان بن ثابت بين الجموع وعاش الحدث وبايع عليا ثم ألقى قصيدته، فلن يحتاج لاسم إشارة لأنه ضمن الحدث وليس خارجه. وحتى لو احتاج لقال " هنا " وليس " هناك ".
ملخصا الأبيات منسوبة إلى حسان ولم يقلها.
ثانيا:
يقول الخبر أن المسلمين بايعوا عليا وسلموا عليه باسم "أمير المؤمنين". وهذا محال. لأن أبا بكر الصديق لم يتسم بهذا اللقب وهو خليفة ولم يستعمل هذا اللقب في زمنه حتى لأمراء الجيوش المسلمة. وأول مرة ظهر الاسم "أمير المؤمنين" بعيد تخليف عمر بن الخطاب، حيث لما سمعهم ينادونه بكنية "خليفة خليفة رسول الله" قال ستطول. أي إن الذي يأتي من بعدي ستسمونه " خليفة خليفة خليفة رسول الله " ثم تطول التسمية كلما جاء خليفة جديد. لذا قال:" فحيث أنتم المؤمنون وأنا أميركم فسموني أمير المؤمنين ".
ثالثا:
إن نص الآية: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )) يشير بلا أدنى شكوك إلى أن التبليغ بتخليف الإمام علي ك يعد البعثة النبوية. والرسول حسب هذا النص إن لم يبلغ الناس بخلافة علي فكل ما تم قبلها ملغي والرسالة الإسلامية لم تبلّغ. بما معناه أن كل المبررات التي جعلت الله سبحانه يختار محمد للبعثة، وأن نزول القرآن وإيمان العرب به وصلح الحديبية ومعركة بدر وانتشار الإسلام في ربوع الجزيرة وفتح مكة، وكل غزوات الرسول وشهداء المعارك، والتبشير بالجنة لمن ناضل عن الإسلام، وتكوّن أول دولة عربية في التاريخ وبدء العصر الإسلامي وبدء الدولة الإسلامية،،الخ. هذه كلها صفر إلى الشمال ولا تعد شيئا إذا لم يبلغ الرسول أصحابه بخلافة علي! فأي هرطيق زنيم يقبل بهذا التعادل؟! وأي دين سفيه هذا الذي تعدله كله بل وتلغيه كله بيعة خلافة؟!
رابعا:
أن حادث الغدير مدمج بحجة الوداع التي حضرها ما لا يقل عن مئة ألف صحابي الذين هم وجوه ومشايخ كل القبائل العربية في الجزيرة. والقبائل التي لم يسلم مشايخها ولم تسلم كلها فلابد وحضر الحجة فرد أو اثنين منها هذه الحجة. والعرب أهل فراسة وعيافة، وقد تنبأوا بالبعثة، ولا بدهم شعروا ما لهذه الحجة مع الرسول من خطورة. ما أعنيه أن العرب كلهم، أو العرب فقط، حضروا حجة الوداع، وبدليل هذا العدد الهائل 120الفا نسبة إلى ديموغرافية تلك الأزمنة. وحين يتنكر هذا العدد منهم آية من القرآن ووصية من الرسول بأمر يعدل الإسلام كله، فهؤلاء العرب إذن كفرة مرتدون. ولو أنكروا بيعة الغدير كرها بالإسلام وارتدادا، فأين ذهبت عاداتهم وتقاليدهم في حفظ الوعود وقول الحق والموت في سبيله، أعني هل كفروا بالدين وبأخلاقهم أيضا؟؟! ولماذا؟! فكم كان سيفرق الأمر عند عامتهم، التي لم تتفقه بالدين بعد، ما بين تخليف علي أو أبي بكر ليكفروا لأجله بدينهم ودنياهم وأخلاقهم وأعرافهم وعصبيتهم؟!
خامسا:
لا فقيه شيعي يقول بأن الله سحب قراره من العشرة الذين بشرهم بالجنة. ولا متحدث في الإسلام محدث أو سالف قال بهذا. فكيف يتفق بقاء بشراهم بالجنة مع كفرهم بوصية الله ورسوله وقرآنه؟! وأي أبله يقبل أن يبيع دينه ودنياه وآخرته وإيمانه بشيء سطحي لا يقدم ولا يؤخر كتنصيب أبي بكر خليفة عوضا عن علي؟! وهل لم يتواجد شريف واحد بين من حضروا سقيفة بني ساعدة ليذكر القوم بوصية الرسول وقرأن الله وخلافة علي؟! ولما لم تذكر المصادر الشيعية ذاتها أن أحدا اعترض على القوم وذكرهم بحديث الغدير يوم السقيفة؟!
سادسا:
إذا كانت بيعة علي كما يدعي الخمينيون بهذه الأهمية الخطيرة بحيث تعدل كامل الإسلام بما فيه فتح مكة، فلم تركها الله مبهمة ليحار بها صحابة كعمر وأبوبكر وعثمان وعمار وبن عوف وكل الصحابة وبعد دقائق فقط من موت الرسول؟! وقدر إلهي كهذا الذي يعطيه الخميون لبيعة الإمام علي، لا يجوز له أن يصبح مضمرا وعرضة للتكهن، إذا لم يكن الله يخاتل بعباده، وحاشاه. والله لا يستحي من الحق، ونحن أيضا. والله ذكر اسم أبي لهب وحمالة الحطب وهامان وفرعون وهاروت وماروت ،،الخ من الطغاة المحقرون. وذكر أيضا اسم زيد بن حارثة وعيسى ويحيى وداود وموسى وهرون وذي الكفل ومريم وإبراهيم واسحق ويعقوب ،،الخ من الأنبياء والصالحين. وذكر صفات علي أو ما يدل عليه مثلما ذكر صفات أبي بكر أو ما يدل عليه. فكيف لم يذكر اسم الإمام علي صراحة أو ما يدل عليه في آية التخليف هذه التي جاءت في غدير خم؟!
سابعا:
لا مراء أن كل ما يدخل في وعي الرسول من الوحي هو آيات قرآنية، خصوصا تلك التي تحتوي شعيرة أو منسكا أو حكما دنيويا بما في ذلك المواريث والعلاقات العامة. ونص الآية أعلاه (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )) يدل على تكليف من الله بتنفيذ أمر. فأين هو الأمر؟! أعني أين وكيف عرف الرسول ص أن هذه الآية تدل على تخليف الإمام علي وليس على شيء آخر؟! أيعقل باحثو القرآن إن الله سبحانه يأمر بشعيرة، خطيرة كالتي لبيعة خم، بلا آية بينما تنفيذها يجعله بآية؟! هل يريد الخمينيون القول بأن الرسول أسقط الآية الأصل كرها منه هو الآخر بعلي؟!
ثامنا:
نحن العلمانيون نعلم الآن وبلا مراء أن الرسول محمد ص منصور من الله وأن دعاءه مستجاب وأن له حرمة على الله فمنحه حتى الشفاعة. والله لا يخلف وعده بالنصر لمؤمن ما بالك لأخطر نبي من الأنبياء وآخرهم. والرسول محمد ص دعا ربه يوم غدير خم لصالح علي قائلا: (( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من بغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق حيث دار ألا فليبلغ الشاهد الغائب)). ولكن الله سبحانه لم يوال عليا ولم ينصره على معاوية وحول الحق عنه بالخلافة. بل وبدقائق وحسب بعد وفاة الرسول الكريم ص أنكر بيعة علي 120 الفا من الصحابة وغمطوه حقه. وفي هذه فأمامنا واحد من ثلاثة: أن يكون التخليف سياسة وليس قدرا ربانيا ولم ينزله بآية؛ أن الله خذل رسوله ولم يستجب لدعوته؛ أن الله خذل نفسه ولم يوف العهد القدري الذي قاله على شكل: (( إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون )). وحاشى الله سبحانه وأي من الاثنين الأخيرين!
تاسعا:
وهذه حقا أم المصائب، ودلالة لا تقبل الجدل على تسفيه القميين للقرآن والإسلام معا، ليكبوا وبشهادتي عليهم عند الصراط، على وجوههم إلى النار. فحديث الغدير يفيد بأن الله أنزل الآية: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )) فأمر الرسول بالسرادق وبايع الناس عليا وبعد انتهاء بيعة 120 الفا له وبعد قصيدة حسان بن ثابت نزلت الآية: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)). وهنا نسجل ما يلي:
1 - غدير خم ميل عن الجحفة كما يقول ياقوت الحموي، والجفحة على ثلاث أو اربع مراحل من مكة، وست مراحل من المدينة. وأية آية تنزل بالجحفة أو غدير خم فهي مكية، أو الأولى بها أن تكون مكية. ولكن قطعا ليس مدنية لأن المدينة منها أبعد بكثير. بينما الآيتان أعلاه كلاهما من سورة المائدة، ولا خلاف مطلقا على أن سورة المائدة مدنية! أي أن الآيتين لما تنزلا في موضع خم مطلقا.
2 - الآية الأولى كاملة تقول: ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)) وهنا فالنص واضح ويقول بأن الله يعصمك من الناس الكافرين وليس الناس المسلمين الذين حضروا بيعة الغدير. وهم عمليا كما قلنا أعلاه كل الصحابة إطلاقا. وهذا طعن ظاهر بحجة افتراض أن الآية تخص المسلمين أو تخص بيعة الإمام.
3 - يقول نص الآية الثانية كاملا: ((حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم ييئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)) فأي عاقل مؤمن يجرؤ على إفراز جملة إكمال الدين عما قبلها والتي تفيد بأن لا يخشى المسلمون من الذين كفروا. ويفصلها عن الآية التي بعدها والمعطوفة عليها بالفاء الرابطة وهي أن الله يعفو عن آكل المحرمات أعلاه مضطرا جائعا غير آثم؟! ومن يجرؤ على القول بأن القرآن يفتقد التسلسل السردي في نصوصه؟! فهو هنا يتحدث عن المحرمات وعقوباتها وإنها من عادات الكفار الذين ييئسوا من النيل من الإسلام فالدين قد اكتمل ورضا الله عليه ولم يعد ما يخشى عليه، لذلك خذوا يا أيها المسلمون بتعاليمي وتجنبوا محرماتي هذه، وأنا أغفر للمضطر منكم. فكيف وأين جاء في القرآن تسلسل سردي ما ثم يكسره فجأة ودون مقدمات أو مبررات ليحشر جملة لا علاقة لها بالسرد والأحكام لا من بعيد ولا من قريب؟! أي كيف يتحدث الله سبحانه عن المحرمات وعقوباتها ثم يعلن عن اكتمال الدين بإمامة علي ك؟!
4 - وحديث غدير خم يقول أن الآية (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل،،)) نزلت قبيل الظهر وبسببها أوقف الرسول الجموع ثم خطب. وعند انتهاء الخطبة بدأت البيعة. ولو كان الزمن الذي يستغرقه المسلم الواحد للبيعة نصف دقيقة فقط لاحتجنا لخمسة أيام متتالية متواصلة الليل والنهار لانتهاء بيعة 120الف مسلم. لكن البيعة انتهت عند عصر يوم الغدير، ولنقبل هذا، فألقى حسان قصيدته، ثم نزلت الآية الثانية (( اليوم أكملت لكم دينكم،،، )). بينما الآية الأولى رقمها 65 من سورة المائدة والجملة التي تشتمل على اكتمال الدين في آية رقمها 3 من سورة المائدة. أي إن ترتيب نزول الآيتين يناقض ما يقوله الحديث. والآية (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل،،)) نزلت بعد الآية ((اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)) وليس قبلها. وحيث يستغرق تنزيل السورة الواحدة من سور القرآن الكبرى سنينا أحيانا، فالآية (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل،،)) نزلت بعد الآية ((اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي )) بما لا يقل عن السنة.
أي أن ترتيب الآيتين الواردتين في حديث غدير خم مغلوط وتزمينهما مغلوط، أيضا. فضلا عن جريرة الكذب في تفسير مضمونهما. وهنا أتساءل، أيعقل أيها المسلمون أن تمر هكذا سفاهات في دينكم، وأنتم غافلون؟! وكيف لم تنتبهوا على الأقل إلى تسلسل الآيات؟!
عاشرا:
فما هو موقف الإمام علي ك، من هذا البهتان الذي جرت بسبب الدماء؟!
1 - قال الإمام علي ك بحقه في الشعر التالي:
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهــــم فكيف بهذا والمشيــرون غيب
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيـــرك أولى بالنبـــي وأقرب
وفي النسيب قال:
أنا أخو المصطفى لاشك في نسبي معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جد وجد رسـول الله مــــــــــــــــد وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدقته وجميــع الناس في ظلــــم من الضلالة والإشراك والنكد
فالحمد لله فــردا لا شريك لـــــــه البر بالعبـد والباقي بلا أمـــــد
وأيام صفين قال:
تلكم قريش تمناني لتقتلنـــــــي فلا وربك ما بـــروا وما ظفروا
فإن بقيت فرهن ذمتي لكــــــم بذات ودقين لا يعفــــــــو لها أثر
وإن هلكت فإني سوف أورثهم ذل الحياة فقد خانوا وقــد غدروا
أما بقيت فإنـي لست متخـــــذا أهلا ولا شيعة في الدين إذ فجروا
قد بايعوني ولم يوفـوا ببيعتهم وماكروني بالإعـــداء إذ مكـــروا
وناصبوني في حرب مضرسة ما لم يـــلاق ابو بكر ولا عمــــــر
وهنا، فلم يباهل الإمام بشعره بغدير خم ولا انتسب رغم أنه بيعة كما يفترض سماوية ومقام من الله عزيز يفاخر به أي شخص. وكما لا يذكر الإمام علي في قصيدته الزينبية غدير خم، ولا في أي شعر له.
2 - لم يحتج الإمام علي ك ضد السقيفة بغدير خم. وحين تناهى إليه خبر السقيفة قال: ((ما قالت الأنصار؟ قالوا قالت منا أمير ومنكم أمير، فقال هلا احتجتم عليه بأن رسول الله ص وصّى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فقالوا وما في هذا من الحجة عليهم، فقال لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم، ثم قال ما قالت قريش؟ قالوا احتجت بأنها شجرة الرسول ص فقال احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة )) (ص116 ج 1 نهج البلاغة) ولم يذكر غدير خم. ولم يحتج في جدالات الشورى بغدير خم، ولم يقل مؤرخ أنه ذكر غدير خم بعدها.
3 - لم يذكر الإمام علي منذ بدء الفتنة حتى استشهاده رضوان الله عليه، وفي أي من رسائله إلى معاوية غدير خم وبيعته. ولم يذكره لحكمه أبي موسى الأشعري. ولم يذكره لعمار بن ياسر ولا ذكره في رسائله إلى عماله كالاشتر ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن عمر وزياد بن أبيه وغيرهم. وكل خطب الإمام علي ورسائله وحكمه ووصاياه مجموعة في كتاب " نهج البلاغة " ولم تحتو أي منها خبرا عن غدير خم أو اسمه مطلقا. ومن جمع كتاب نهج البلاغة واحد من أكبر أعلام الشيعة ومن آل البيت وهو الشاعر الشريف الرضي، ولا يجوز الافتراض بتآمر الإمام علي نفسه والشريف الرضي. علما بأن الخميين غالبا ما يستشهدون بالخطبة الشقشقية (ص 30 ج 1 نهج البلاغة). ولولا الإطالة لأوردتها. وهي لا تحتوي حتى التلميح عن غدير خم. كما يستشهدون على تناسي أو تحجج الإمام مالك بجوابه للإمام علي حين سأله الشهادة، فقال أصابك الله ببيضاء لا تواريها العمامة. أي دعا عليه بالبرص، فأصيب الإمام مالك به فعلا ومن ساعته. وحتى لو صدقنا الحادثة، فقد كان سؤال الإمام علي لمالك أن يتذكر كيف بايع طلهة والزبير وتنكرا. وكان الأولى به إن يسأله عما إذا يذكر بيعة غدير خم.
4 - في كل رسائل الخلافة من الإمام علي كان يقول: ((من علي بن أبي طالب خليفة المسلمين إلى)) ولم يقل في أي منها أنه إمام المسلمين ولا قال إنه وصي الله. والرسول محمد كان يعنون كتبه قائلا: ((من محمد عبد الله ورسوله إلى )). والوصاية بمنزلة النبوة كما يفترض، وما كان على الإمام التنكر لها.
5 - لم يقل الإمام علي يوما في آذانه (( أشهد أن عليا ولي الله )) ولا قالها الحسين، فمن أين أتت هذه الشهادة القائلة : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأشهد أن عليا ولي الله)) والتي تنحو للتثليث؟!
6 - مع مواجهة الموت لا يخاف المرء في الحق لومة لائم، ما بالك بأمر رباني عظيم. لكن لا الإمام علي قال يوم استشهاده للحسن بأن الولاية مرهونة بغدير خم، ولا هو ذكره أصلا، ولا قال بوصيته أنه إمام الورى ولا وصي الله. ولا قالها الحسن ع وهو يحتضر من السم. ولا الحسين ع يوم نزل يقاتل حين قال حرفيا: أيها القوم من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بحسبي ونسبي،،الخ)) وذكر فضائل أهله على العالمين ولم يذكر فضيلة بيعة غدير خم لأبيه التي تعدل كما يقول الحديث كل الإسلام وما فيه.
7 - وعلى أية حال، أيا كان سبب غمط الإمام علي حقه بالخلافة ? سياسة أو تنكرا لغدير خم، فقد عادت إليه الخلافة بعد ربع قرن فقط من الغدير المزعوم، واستشهد وهو خليفة وأورثها لابنه الإمام الحسن ع. والحسن تنازل عنها طائعا. وجريرة غمط الإمامة والخلافة ستقع على الحسن عليه السلام وليس على غيره.
8 - فإن كانت حادثة الغدير موثقة ومعلومة فما الحاجة لوثيقة أخرى لتخليف الإمام علي، أراد أن يكتبها الرسول محمد ص فمنعه عمر رض كما يفترض وبما أسمي لاحقا برزية الخميس؟
9 - يوم بايعوه بعد مقتل عثمان قال الإمام علي حرفيا: (( دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب وإن تركتموني فأنا كأحدكم. ولعلي أسمعكم وأطوَعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا)) (ص181 ج 1). فهل هذا كلام من بايعه كل صحابة 120الفا
د.نوري المرادي
أنا من اللحظة ألفظ قصة الغدير وأتهم من يعتنقها!
أشهد أن الله قد كرّم الله وجهك يا بن أبي طالب عن كذبة الغدير!
أثار استغرابي قبل أيام احتفال غير معهود بما أسموه "عيد الغدير".
ومبعث الاستغراب أن ما أذكره من العراق حتى يوم مغادرتي كليا نهاية 1970 لم أكن احتفل بهذا العيد مع أهلي ولا أصدقائي. رغم أن عيدا بهذه الأهمية للوسط الذي نشأت فيه ما كان ليمر خفية. وأنا كنت مؤذن المصلين في مسجد القسم الداخلي التابع لثانوية العمارة ما بين لعامي 1963/1964. وكنت أتردد على حسينيات العمارة في شارع المعارف دوريا، وكل اثنين كنا نحضر محاضرة في المكتبة الإسلامية في شارع بغداد بالعمارة يلقيها أمين المكتبة وقتها السيد محمد عبيد الخاقاني. فضلا عن أن والدي موسى شوكت هو مرجع ناحية كميت الديني وأحد مقرئيها المعدودين. ما بالك والمدينة صغيرة أصلا وشيعية بنسبة 99% تقريبا.
اللهم نعم! نحن كنا نعرف قصة الغدير ونذم ناكريه، لكنا لم نحتفل به كعيد.
بينما يوم أمس تنادى الشعراء والرواديد متبارين بقصائدهم الركيكة في دواوين مدينتي كربلاء والنجف مدحا لهذا العيد وذما لناكريه. وهناك من يوزع الشربت والحلوى كلما دخل زائر معيّد جديد وكأننا في عيد رمضان والأضحى. كما خصصت فضائية "العراقية" بثها لعيد الغدير وقابلت سيدا بعمامة ولباس كامل السواد تحدث عن غدير خم وفضائله وجرم ناكريه وذكر أيضا قصته لكن بملامح بشر وقناعة طافحة على محيّاه تشير إلى أنه أبلغ أمرا إلى العالمين فتبشر بالجنة مقدما. وهنا بدا الاستغراب. أعني استغرابي شخصيا.
فأما أن يكون شيعة ما قبل السبعينات قد كفروا حين غمطوا حق عيد الغدير، أو أن هذا المعمم صفوي ألصق بنا أمرا تلموديا جديدا، كألقاب الآي والحجج وتقديس السر والعلن. لذا بدأ شكي بالموضوع، خصوصا وقد جاء عيد الغدير هذا مع مناسبة ذكرى نفوق الخنزيرين ابني حكيم مهدي وباقر، والتي كتب عنها أحد الصفويين قائلا: (( نعزي صاحب الزمان المهدي المنتظر عجل الله فرجه بذكرى وفاة الـ ... مهدي وباقر ،،،الخ )) وهكذا! وإن صاحب الزمان المهدي المنتظر قد نصب خيمة يتلقى فيها التعازي ولكن بموت خنزيرين عميلين، بينما لم يتلق التعازي بموت الصدر الثاني والخميني والكليني ولا ذكرى أي من الطالبيين أجداده. وإضافة فقد انتهيت للتو من كتابي "شنعار أرض اللاهوت" الذي تناولت فيه تغني اليهود بدولة إسرائيل في التريخ، حتى وصفوا ملوكها وشوارع مدنها وقادة جيوشها وأكابر شيوخها،،الخ. لكن لا أحد منهم يستطيع ذكر اسمها واسم عاصمتها. وتساءلت عندها كيف نشي رب إسرائيل اسم دولة إسرائيل واسم عاصمتها ولم يذكره صريحا بلا لبس فلا يتكهن به اللاحقون، ولا يختلفون.
المهم قد تراكمت المبررات، فأضفت شكا على قصة غدير خم.
وكل متابع راقب نحلة التلمودوصفويين المحتفلة بعيد الغدير وجدها لم تصدق بشيء فلم ستصدق بهذا؟!
وقبل مواصلة الحديث، أثبت هنا ما كنت ولازلت وسأبقى أقوله دائما، وهو أن مذهب التشيع بريء من نحلة الصفويين، والإسلام وآل البيت منها ابرأ. وإنما هي نحلة تلمودية مدسوسة على التشيع والإسلام معا. كما أثبت أيضا إن ما أقوله لاحقا لا يغمط إمامنا عليا موقعه، ومن يشأ الإطلاع على قرائتي الشخصية لموقع الإمام علي وابنه الإمام الحسين في الدين فليعد إلى مقالي (( المهدي المنتظر)) المؤرشف على موقع (الحوار المتمدن) وغيره من المواقع والذي يتضمنه أيضا كتابي (( شنعار أرض اللاهوت ))
ليكن هذا ثابتا، وليُخرَج عن قضية غدير خم. ذلك أن حديث (( غدير خم )) كذب ما أنزل الله به من سلطان، وموضوع بقصد تكفير الرسول محمد ص وأصحابه وأخصهم العشرة المبشرة بالجنة ولتخوين الإمام علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين، واتهامهما في دينهما.
هذا هو الواقع، ولمن يتطير فليتوقف عن مطالعة بقية المقال. أما من أراد التثبت فليواصل!
وحقيقة، فإخوتنا المتدينون، سلفيون أو لا سلفيين، يكتفون من الأخبار بالعنعنة. وعلى سبيل المثال يأخذون من الحديث الشريف للرسول سنة لمجرد إسناده. حتى وإن جاء السند على الشكل التالي: (( عن فلان عن فلان عن فلان وقيل عن فلان أسنده إلى أبيه عن فلان عن فلان عن أبي هريرة عن عائشة عن رسول الله أنه قال )) هذا الإسناد لا يوافي مقاييسي الشخصية للأخذ برأي. فالحديث طالما احتوى (وقيل) بطل تواتره. ومن واتره قوم عاشوا قبلنا بألف عام ولا ندري معاييرهم عن التواتر. فمنهم من يجعل الفرد سندا وحجة ومنهم لا. ومنهم من يأخذ عن جماعة بعينها وينكر الآخرين دونما حساب للصدق من عدمه. فكثرت الموضوعات وجرى الاختلاف.
أما نحن العلمانيين، ما بالك بالماركسيين، فلا قيمة عندنا لتواتر العنعنة، أو لا قيمة له مع ميزان العقل. وأنا شخصيا خريج كلية زراعة. وكل اختصاصات الزراعة تجارب حتى في الإرشاد. وفي عملي الأكاديمي أيضا كنت قد درّست خلال عشر سنين متتالية المواد: صوت، ضوء، حرارة، ميكا************، هيدروليك، طرق ري، صيانة موارد المياه، فيزياء تربة، كيماء تربة، كيمياء عضوية، وكيمياء فيزيائية. وكل هذه العلوم تطبيقية تجريبية بحتة. وفوق هذا وذاك، لابد وانتبه من يقرأ لي أني حشري دهري بعض الشيء، أو قلها دقّي جدا. وبهذا سأتعامل مع خبر غدير خم، وأرجو المعذرة مقدما.
وخبر ((غدير خُم)) كما ورد على لسان وكتابات كل مدعيه، ومنهم السيد محمد كاظم القزويني في كتابه (الإمام علي من المعهد إلى اللحد) يتلخص بالتالي:
في السنة العاشرة للهجرة وفي يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة وبينما كان الرسول عائدا من حجة الوداع، وفي منطقة غدير خُم القريب من الجحفة، وكان الوقت قائضا وفي ظهيرة شديدة الحر، أوقف الرسول ص الجموع الغفيرة التي كانت معه ليخطب. حيث نزلت عليه آية هي: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )) (المائدة) فوقفت الجموع والتحق من تأخر وتراجع المتقدمون فاجتمع ما يقدر عدده 120الفا كما يقول بن الجوزي وفيهم أكثر الصحابة، ونهى عن خمس شجرات سمر متقاربات كنس ما تحتهن وأم الناس لصلاة الظهر تحتهن. وقد نصب له منبرا من أقتاب الإبل فخطب حتى وصل قوله:
أنظروا كيف تخلفوني في الثقلين، فقالوا وما الثقلان يا رسول الله فقال الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي. وأن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقان حتى يردان علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا. ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رئي بياض أباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاثا، أو أربعا ثم قال اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من بغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق حيث دار ألا فليبلغ الشاهد الغائب. ولما فرغ من خطبته نزل ونصب سرادقا لعلي وأمر المسلمين أن يبايعوه بالخلافة ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين فتهافت الناس يبايعونه حتى أقبل الشيخان أبو بكر وعمر وسألا الرسول قائلين هذا أمر منك أم من الله؟! فقال النبي وهل يكون هذا عن غير أمر الله؟! فقالا نِعم أمر الله ورسوله. فقاما وبايعا فقال عمر السلام عليك يا أمير المؤمنين بخ بخ لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم بعد أن فرغ الناس من المبايعة، صعد حسان بن ثابت على مرتفع وقال:
يناديهـــم يوم الغديــــــر نبيهــم بخــم وأسمـــع بالنبـــي مناديا
وقد جاءه جبريل عــن أمر ربه بأنــك معصوم فلا تك وانيــــــا
وبلغهموا ما أنــزل الله ربهــــم إليك ولا تخشى هنـاك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافـــع كفــــــــه بكف علي معلـن الصوت عاليا
وقال فمــــن مولاكــــم ووليكـم فقالوا ولم يبـــدوا هنـاك تعاميا
الهـك مولانــــا وأنـــت ولينــــا ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا فقال له قــــم ياعلـــيفإننـــــي رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهـــذا وليـــــه فكونوا لهأنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهـــم وال وليـــــــه وكن للذي عادى عليا معاديــــا
فيا رب انصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلـو الدياجيا
فلما فرغ الجميع ونزل حسان نزلت الآية: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) (المائدة)
هذه هي قصة خبر غدير خم كاملة, وهي تحتوي المكونات " الماتيفات " الأساسية التالية:
آية نزلت تأمر بولاية علي ك أوجبت آية أخرى تنفيذها وبشرط إن لم يفعل فما أكمل رسالة الإسلام.
خطبة من الرسول بمئة وعشرين ألفا من المسلمين وفيهم كبار الصحابة.
مبايعة الناس للإمام علي وسلامهم عليه بإمرة المؤمنين.
شك من عمر وأبي بكر بأن يكون الأمر من الله لذا استفسرا الرسول عنه.
قصيدة من حسان بن ثابت تمدح البيعة. ثم آية تشير إلى رضا الله لتمام بيعة علي.
فلنر أي من هذه المكونات يصمد للنقد، أو حقيقة لنر إن كان ولو جزءا يسيرا منها صادقا!
ولنبدأ بالأيسر ثم الأصعب!
أولا:
قصيدة حسان بن ثابت، ولنا عليها المآخذ التالية:
1 - أن الإنساب في التسمية يأتي لاحقا. فقيل "عام الفيل" ليس في عام الفيل ذاته، وإنما بعد سنين وحين كان الحدث الأبرز في ذلك العام هو فيل أبرهة. وسمي "يوم بعاث: لاحقا، وسميت معركة القادسية بعد أن تنوقلت أخبارها وتبين أنها وقعت بمنطقة القادسية فنسبت إليها. ولا نسمي الوليد ساعة ولادته إنما بعدها بأيام. ولم نسمها "حجة الوداع" لولا أن الأحداث جرت حقا بمضمونها وتوفي الله الرسول الكريم قبل الحجة القادمة. وقاعدة التسمية هذه سار حتى الله سبحانه وتعالى عليها فسمّى ليلة نزول القرآن على النبي في غار حراء أو نزوله جملة إلى السماء الدنيا، سماها لاحقا في سورة متأخرة هي سورة القدر. لكن حسان بن ثابت شذ عن هذه القاعدة المطلقة وسمى يوم تنصيب الإمام علي بـ (يوم الغدير) بمجرد أن انتهت المبايعة وقبل أن يعرف أنْ ربَّ حدثٍ أكثر جلالا سيقع فينسب اليوم إليه.
2 - لم يقل الرسول أن سبب توقفه للخطابة آية نزلت عليه، وهي (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ،،الخ)) ولم يقرأ نصها للسامعين خلال خطبته. ولا يوجد مصدر شيعي واحد يقول أن الرسول قالها آنها. ولو قالها لما تجرأ عمر وأبو بكر وسألاه إن كانت توليته لعلي منه أم من الله. المهم إن نص الآية لم يرد على لسان الرسول لكن حسان بن ثابت علم بنزول الوحي ونص الآية أيضا. وهذا محال، وكذب، ما لم يكن حسان نبيا رديفا للرسول محمد.
أقول (وقول المعصوم أنا لكم وزيراً خيرا لكم من أمير فيه مخالفة صريحة للنبي صلى الله الله عليه وسلم حيث عينه خليفة وقائد للأمة وهو يرد على النبي صلى الله الله عليه وسلم التنصيب ويقول بل وزير)
3 - شاعر فقيه كحسان لا يخطأ باللغة العربية ولا يقول "أسمع بالنبي مناديا". وإنما "أكرم بالنبي " أو أنعم بالنبي مناديا". وشاعر كحسان لا يقول "ولا تك وانيا" بدل متوانيا، ولا يقول "إلهك مولانا" بدل "الله مولانا" ولا يقول "رضيتك من بعدي" بدل "رضاك الله من بعدي" ولا يكرر في خمسة أبيات متتالية 3 مرات كلمة "مولى" و4 مرات كلمة "ولي". هذه أمور تجوز لرادود لطميات وليس لشاعر مخضرم تخافه مفردات اللغة.
4 - وشخصيا ألتزم التفعلية في قصائدي ولا أخرج عنها في الحشو، الأمر الذي يتسامح فيه غيري. لكن لا شاعر، ما بالك بحسان بن ثابت، يخرج عن تفعيلة العروضة والقافية. ولو فصلنا قصيدة حسان أعلاه لن تجد بيتا يشبه أخاه في اختلافات تفعيلة الحشو ما بالك بخلافات ظاهرة في العروضة والقافية. أو عموما ليتمكن أحدكم من تقطيع هذه القصيدة.
5 - تكرر في القصيدة اسم الإشارة "هناك" الدال معنويا على البعد الظرفي للزمان والمكان. حيث هو يعني: في ذلك الموضع، أو آنها. وإسم الإشارة " هناك " يخرج الذي يقوله عن محيط الحدث المشار إليه. وأنت مثلا تصف محيطك بالقول "هنا، بيننا، حولي" أو لا تستعمل اسم إشارة نهائيا. أما أن تصف حالا أنت مفصول عنها وهي بعيدة عنك فتقول: "هناك، آنذاك، في ذلك المكان،،الخ". ولو كان حسان بن ثابت بين الجموع وعاش الحدث وبايع عليا ثم ألقى قصيدته، فلن يحتاج لاسم إشارة لأنه ضمن الحدث وليس خارجه. وحتى لو احتاج لقال " هنا " وليس " هناك ".
ملخصا الأبيات منسوبة إلى حسان ولم يقلها.
ثانيا:
يقول الخبر أن المسلمين بايعوا عليا وسلموا عليه باسم "أمير المؤمنين". وهذا محال. لأن أبا بكر الصديق لم يتسم بهذا اللقب وهو خليفة ولم يستعمل هذا اللقب في زمنه حتى لأمراء الجيوش المسلمة. وأول مرة ظهر الاسم "أمير المؤمنين" بعيد تخليف عمر بن الخطاب، حيث لما سمعهم ينادونه بكنية "خليفة خليفة رسول الله" قال ستطول. أي إن الذي يأتي من بعدي ستسمونه " خليفة خليفة خليفة رسول الله " ثم تطول التسمية كلما جاء خليفة جديد. لذا قال:" فحيث أنتم المؤمنون وأنا أميركم فسموني أمير المؤمنين ".
ثالثا:
إن نص الآية: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )) يشير بلا أدنى شكوك إلى أن التبليغ بتخليف الإمام علي ك يعد البعثة النبوية. والرسول حسب هذا النص إن لم يبلغ الناس بخلافة علي فكل ما تم قبلها ملغي والرسالة الإسلامية لم تبلّغ. بما معناه أن كل المبررات التي جعلت الله سبحانه يختار محمد للبعثة، وأن نزول القرآن وإيمان العرب به وصلح الحديبية ومعركة بدر وانتشار الإسلام في ربوع الجزيرة وفتح مكة، وكل غزوات الرسول وشهداء المعارك، والتبشير بالجنة لمن ناضل عن الإسلام، وتكوّن أول دولة عربية في التاريخ وبدء العصر الإسلامي وبدء الدولة الإسلامية،،الخ. هذه كلها صفر إلى الشمال ولا تعد شيئا إذا لم يبلغ الرسول أصحابه بخلافة علي! فأي هرطيق زنيم يقبل بهذا التعادل؟! وأي دين سفيه هذا الذي تعدله كله بل وتلغيه كله بيعة خلافة؟!
رابعا:
أن حادث الغدير مدمج بحجة الوداع التي حضرها ما لا يقل عن مئة ألف صحابي الذين هم وجوه ومشايخ كل القبائل العربية في الجزيرة. والقبائل التي لم يسلم مشايخها ولم تسلم كلها فلابد وحضر الحجة فرد أو اثنين منها هذه الحجة. والعرب أهل فراسة وعيافة، وقد تنبأوا بالبعثة، ولا بدهم شعروا ما لهذه الحجة مع الرسول من خطورة. ما أعنيه أن العرب كلهم، أو العرب فقط، حضروا حجة الوداع، وبدليل هذا العدد الهائل 120الفا نسبة إلى ديموغرافية تلك الأزمنة. وحين يتنكر هذا العدد منهم آية من القرآن ووصية من الرسول بأمر يعدل الإسلام كله، فهؤلاء العرب إذن كفرة مرتدون. ولو أنكروا بيعة الغدير كرها بالإسلام وارتدادا، فأين ذهبت عاداتهم وتقاليدهم في حفظ الوعود وقول الحق والموت في سبيله، أعني هل كفروا بالدين وبأخلاقهم أيضا؟؟! ولماذا؟! فكم كان سيفرق الأمر عند عامتهم، التي لم تتفقه بالدين بعد، ما بين تخليف علي أو أبي بكر ليكفروا لأجله بدينهم ودنياهم وأخلاقهم وأعرافهم وعصبيتهم؟!
خامسا:
لا فقيه شيعي يقول بأن الله سحب قراره من العشرة الذين بشرهم بالجنة. ولا متحدث في الإسلام محدث أو سالف قال بهذا. فكيف يتفق بقاء بشراهم بالجنة مع كفرهم بوصية الله ورسوله وقرآنه؟! وأي أبله يقبل أن يبيع دينه ودنياه وآخرته وإيمانه بشيء سطحي لا يقدم ولا يؤخر كتنصيب أبي بكر خليفة عوضا عن علي؟! وهل لم يتواجد شريف واحد بين من حضروا سقيفة بني ساعدة ليذكر القوم بوصية الرسول وقرأن الله وخلافة علي؟! ولما لم تذكر المصادر الشيعية ذاتها أن أحدا اعترض على القوم وذكرهم بحديث الغدير يوم السقيفة؟!
سادسا:
إذا كانت بيعة علي كما يدعي الخمينيون بهذه الأهمية الخطيرة بحيث تعدل كامل الإسلام بما فيه فتح مكة، فلم تركها الله مبهمة ليحار بها صحابة كعمر وأبوبكر وعثمان وعمار وبن عوف وكل الصحابة وبعد دقائق فقط من موت الرسول؟! وقدر إلهي كهذا الذي يعطيه الخميون لبيعة الإمام علي، لا يجوز له أن يصبح مضمرا وعرضة للتكهن، إذا لم يكن الله يخاتل بعباده، وحاشاه. والله لا يستحي من الحق، ونحن أيضا. والله ذكر اسم أبي لهب وحمالة الحطب وهامان وفرعون وهاروت وماروت ،،الخ من الطغاة المحقرون. وذكر أيضا اسم زيد بن حارثة وعيسى ويحيى وداود وموسى وهرون وذي الكفل ومريم وإبراهيم واسحق ويعقوب ،،الخ من الأنبياء والصالحين. وذكر صفات علي أو ما يدل عليه مثلما ذكر صفات أبي بكر أو ما يدل عليه. فكيف لم يذكر اسم الإمام علي صراحة أو ما يدل عليه في آية التخليف هذه التي جاءت في غدير خم؟!
سابعا:
لا مراء أن كل ما يدخل في وعي الرسول من الوحي هو آيات قرآنية، خصوصا تلك التي تحتوي شعيرة أو منسكا أو حكما دنيويا بما في ذلك المواريث والعلاقات العامة. ونص الآية أعلاه (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )) يدل على تكليف من الله بتنفيذ أمر. فأين هو الأمر؟! أعني أين وكيف عرف الرسول ص أن هذه الآية تدل على تخليف الإمام علي وليس على شيء آخر؟! أيعقل باحثو القرآن إن الله سبحانه يأمر بشعيرة، خطيرة كالتي لبيعة خم، بلا آية بينما تنفيذها يجعله بآية؟! هل يريد الخمينيون القول بأن الرسول أسقط الآية الأصل كرها منه هو الآخر بعلي؟!
ثامنا:
نحن العلمانيون نعلم الآن وبلا مراء أن الرسول محمد ص منصور من الله وأن دعاءه مستجاب وأن له حرمة على الله فمنحه حتى الشفاعة. والله لا يخلف وعده بالنصر لمؤمن ما بالك لأخطر نبي من الأنبياء وآخرهم. والرسول محمد ص دعا ربه يوم غدير خم لصالح علي قائلا: (( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من بغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق حيث دار ألا فليبلغ الشاهد الغائب)). ولكن الله سبحانه لم يوال عليا ولم ينصره على معاوية وحول الحق عنه بالخلافة. بل وبدقائق وحسب بعد وفاة الرسول الكريم ص أنكر بيعة علي 120 الفا من الصحابة وغمطوه حقه. وفي هذه فأمامنا واحد من ثلاثة: أن يكون التخليف سياسة وليس قدرا ربانيا ولم ينزله بآية؛ أن الله خذل رسوله ولم يستجب لدعوته؛ أن الله خذل نفسه ولم يوف العهد القدري الذي قاله على شكل: (( إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون )). وحاشى الله سبحانه وأي من الاثنين الأخيرين!
تاسعا:
وهذه حقا أم المصائب، ودلالة لا تقبل الجدل على تسفيه القميين للقرآن والإسلام معا، ليكبوا وبشهادتي عليهم عند الصراط، على وجوههم إلى النار. فحديث الغدير يفيد بأن الله أنزل الآية: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )) فأمر الرسول بالسرادق وبايع الناس عليا وبعد انتهاء بيعة 120 الفا له وبعد قصيدة حسان بن ثابت نزلت الآية: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)). وهنا نسجل ما يلي:
1 - غدير خم ميل عن الجحفة كما يقول ياقوت الحموي، والجفحة على ثلاث أو اربع مراحل من مكة، وست مراحل من المدينة. وأية آية تنزل بالجحفة أو غدير خم فهي مكية، أو الأولى بها أن تكون مكية. ولكن قطعا ليس مدنية لأن المدينة منها أبعد بكثير. بينما الآيتان أعلاه كلاهما من سورة المائدة، ولا خلاف مطلقا على أن سورة المائدة مدنية! أي أن الآيتين لما تنزلا في موضع خم مطلقا.
2 - الآية الأولى كاملة تقول: ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)) وهنا فالنص واضح ويقول بأن الله يعصمك من الناس الكافرين وليس الناس المسلمين الذين حضروا بيعة الغدير. وهم عمليا كما قلنا أعلاه كل الصحابة إطلاقا. وهذا طعن ظاهر بحجة افتراض أن الآية تخص المسلمين أو تخص بيعة الإمام.
3 - يقول نص الآية الثانية كاملا: ((حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم ييئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)) فأي عاقل مؤمن يجرؤ على إفراز جملة إكمال الدين عما قبلها والتي تفيد بأن لا يخشى المسلمون من الذين كفروا. ويفصلها عن الآية التي بعدها والمعطوفة عليها بالفاء الرابطة وهي أن الله يعفو عن آكل المحرمات أعلاه مضطرا جائعا غير آثم؟! ومن يجرؤ على القول بأن القرآن يفتقد التسلسل السردي في نصوصه؟! فهو هنا يتحدث عن المحرمات وعقوباتها وإنها من عادات الكفار الذين ييئسوا من النيل من الإسلام فالدين قد اكتمل ورضا الله عليه ولم يعد ما يخشى عليه، لذلك خذوا يا أيها المسلمون بتعاليمي وتجنبوا محرماتي هذه، وأنا أغفر للمضطر منكم. فكيف وأين جاء في القرآن تسلسل سردي ما ثم يكسره فجأة ودون مقدمات أو مبررات ليحشر جملة لا علاقة لها بالسرد والأحكام لا من بعيد ولا من قريب؟! أي كيف يتحدث الله سبحانه عن المحرمات وعقوباتها ثم يعلن عن اكتمال الدين بإمامة علي ك؟!
4 - وحديث غدير خم يقول أن الآية (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل،،)) نزلت قبيل الظهر وبسببها أوقف الرسول الجموع ثم خطب. وعند انتهاء الخطبة بدأت البيعة. ولو كان الزمن الذي يستغرقه المسلم الواحد للبيعة نصف دقيقة فقط لاحتجنا لخمسة أيام متتالية متواصلة الليل والنهار لانتهاء بيعة 120الف مسلم. لكن البيعة انتهت عند عصر يوم الغدير، ولنقبل هذا، فألقى حسان قصيدته، ثم نزلت الآية الثانية (( اليوم أكملت لكم دينكم،،، )). بينما الآية الأولى رقمها 65 من سورة المائدة والجملة التي تشتمل على اكتمال الدين في آية رقمها 3 من سورة المائدة. أي إن ترتيب نزول الآيتين يناقض ما يقوله الحديث. والآية (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل،،)) نزلت بعد الآية ((اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)) وليس قبلها. وحيث يستغرق تنزيل السورة الواحدة من سور القرآن الكبرى سنينا أحيانا، فالآية (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل،،)) نزلت بعد الآية ((اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي )) بما لا يقل عن السنة.
أي أن ترتيب الآيتين الواردتين في حديث غدير خم مغلوط وتزمينهما مغلوط، أيضا. فضلا عن جريرة الكذب في تفسير مضمونهما. وهنا أتساءل، أيعقل أيها المسلمون أن تمر هكذا سفاهات في دينكم، وأنتم غافلون؟! وكيف لم تنتبهوا على الأقل إلى تسلسل الآيات؟!
عاشرا:
فما هو موقف الإمام علي ك، من هذا البهتان الذي جرت بسبب الدماء؟!
1 - قال الإمام علي ك بحقه في الشعر التالي:
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهــــم فكيف بهذا والمشيــرون غيب
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيـــرك أولى بالنبـــي وأقرب
وفي النسيب قال:
أنا أخو المصطفى لاشك في نسبي معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جد وجد رسـول الله مــــــــــــــــد وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدقته وجميــع الناس في ظلــــم من الضلالة والإشراك والنكد
فالحمد لله فــردا لا شريك لـــــــه البر بالعبـد والباقي بلا أمـــــد
وأيام صفين قال:
تلكم قريش تمناني لتقتلنـــــــي فلا وربك ما بـــروا وما ظفروا
فإن بقيت فرهن ذمتي لكــــــم بذات ودقين لا يعفــــــــو لها أثر
وإن هلكت فإني سوف أورثهم ذل الحياة فقد خانوا وقــد غدروا
أما بقيت فإنـي لست متخـــــذا أهلا ولا شيعة في الدين إذ فجروا
قد بايعوني ولم يوفـوا ببيعتهم وماكروني بالإعـــداء إذ مكـــروا
وناصبوني في حرب مضرسة ما لم يـــلاق ابو بكر ولا عمــــــر
وهنا، فلم يباهل الإمام بشعره بغدير خم ولا انتسب رغم أنه بيعة كما يفترض سماوية ومقام من الله عزيز يفاخر به أي شخص. وكما لا يذكر الإمام علي في قصيدته الزينبية غدير خم، ولا في أي شعر له.
2 - لم يحتج الإمام علي ك ضد السقيفة بغدير خم. وحين تناهى إليه خبر السقيفة قال: ((ما قالت الأنصار؟ قالوا قالت منا أمير ومنكم أمير، فقال هلا احتجتم عليه بأن رسول الله ص وصّى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فقالوا وما في هذا من الحجة عليهم، فقال لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم، ثم قال ما قالت قريش؟ قالوا احتجت بأنها شجرة الرسول ص فقال احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة )) (ص116 ج 1 نهج البلاغة) ولم يذكر غدير خم. ولم يحتج في جدالات الشورى بغدير خم، ولم يقل مؤرخ أنه ذكر غدير خم بعدها.
3 - لم يذكر الإمام علي منذ بدء الفتنة حتى استشهاده رضوان الله عليه، وفي أي من رسائله إلى معاوية غدير خم وبيعته. ولم يذكره لحكمه أبي موسى الأشعري. ولم يذكره لعمار بن ياسر ولا ذكره في رسائله إلى عماله كالاشتر ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن عمر وزياد بن أبيه وغيرهم. وكل خطب الإمام علي ورسائله وحكمه ووصاياه مجموعة في كتاب " نهج البلاغة " ولم تحتو أي منها خبرا عن غدير خم أو اسمه مطلقا. ومن جمع كتاب نهج البلاغة واحد من أكبر أعلام الشيعة ومن آل البيت وهو الشاعر الشريف الرضي، ولا يجوز الافتراض بتآمر الإمام علي نفسه والشريف الرضي. علما بأن الخميين غالبا ما يستشهدون بالخطبة الشقشقية (ص 30 ج 1 نهج البلاغة). ولولا الإطالة لأوردتها. وهي لا تحتوي حتى التلميح عن غدير خم. كما يستشهدون على تناسي أو تحجج الإمام مالك بجوابه للإمام علي حين سأله الشهادة، فقال أصابك الله ببيضاء لا تواريها العمامة. أي دعا عليه بالبرص، فأصيب الإمام مالك به فعلا ومن ساعته. وحتى لو صدقنا الحادثة، فقد كان سؤال الإمام علي لمالك أن يتذكر كيف بايع طلهة والزبير وتنكرا. وكان الأولى به إن يسأله عما إذا يذكر بيعة غدير خم.
4 - في كل رسائل الخلافة من الإمام علي كان يقول: ((من علي بن أبي طالب خليفة المسلمين إلى)) ولم يقل في أي منها أنه إمام المسلمين ولا قال إنه وصي الله. والرسول محمد كان يعنون كتبه قائلا: ((من محمد عبد الله ورسوله إلى )). والوصاية بمنزلة النبوة كما يفترض، وما كان على الإمام التنكر لها.
5 - لم يقل الإمام علي يوما في آذانه (( أشهد أن عليا ولي الله )) ولا قالها الحسين، فمن أين أتت هذه الشهادة القائلة : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأشهد أن عليا ولي الله)) والتي تنحو للتثليث؟!
6 - مع مواجهة الموت لا يخاف المرء في الحق لومة لائم، ما بالك بأمر رباني عظيم. لكن لا الإمام علي قال يوم استشهاده للحسن بأن الولاية مرهونة بغدير خم، ولا هو ذكره أصلا، ولا قال بوصيته أنه إمام الورى ولا وصي الله. ولا قالها الحسن ع وهو يحتضر من السم. ولا الحسين ع يوم نزل يقاتل حين قال حرفيا: أيها القوم من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بحسبي ونسبي،،الخ)) وذكر فضائل أهله على العالمين ولم يذكر فضيلة بيعة غدير خم لأبيه التي تعدل كما يقول الحديث كل الإسلام وما فيه.
7 - وعلى أية حال، أيا كان سبب غمط الإمام علي حقه بالخلافة ? سياسة أو تنكرا لغدير خم، فقد عادت إليه الخلافة بعد ربع قرن فقط من الغدير المزعوم، واستشهد وهو خليفة وأورثها لابنه الإمام الحسن ع. والحسن تنازل عنها طائعا. وجريرة غمط الإمامة والخلافة ستقع على الحسن عليه السلام وليس على غيره.
8 - فإن كانت حادثة الغدير موثقة ومعلومة فما الحاجة لوثيقة أخرى لتخليف الإمام علي، أراد أن يكتبها الرسول محمد ص فمنعه عمر رض كما يفترض وبما أسمي لاحقا برزية الخميس؟
9 - يوم بايعوه بعد مقتل عثمان قال الإمام علي حرفيا: (( دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب وإن تركتموني فأنا كأحدكم. ولعلي أسمعكم وأطوَعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا)) (ص181 ج 1). فهل هذا كلام من بايعه كل صحابة 120الفا
المصدرك http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=156309
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق