الشيعة والآخر (5).. موقف الإثني عشرية من الفرق الشيعية الأخرىعايض بن سعد الدوسري
ثارت الحلقات السابقة من سلسلة (الشيعة والآخر) بعض القراء الشيعة، الذين أعرب بعضهم عن حزنه الشديد لوجود تلك النصوص الكثيرة التي يتميز بها التراث الشيعي، والتي تُغذي باستمرار روافد الكراهية والإقصاء والتكفير، وأبدى بعضهم حزنه وأساه بسبب ما يتمتع به هذا التراث، في عصرنا اليوم، من الحصانة والحماية والتجديد، من قبل كثيرٍ من المرجعيات الشيعية.
كان واضحًا على بعضهم الصدمة والحزن معًا، وبعضهم حاول أن يُشكك في صحة ثبوت تلك النصوص، والبعض الآخر حاول أن يتجاهلها ليهرب إلى الأمام. إنني أتفق مع الفريق الأول أن حجم الكارثة كبير بهذا التراث، الذي يُغذي عقول الأطفال والشباب بالكراهية، ويُكرس "الانفصال الشعوري" عن المجتمع الأم، ليَعْزِلَ تلك العقول البريئة في "الغَتو" المنغلق على نفسه، والمُسَيّطَر عليه من قبل المراجع، الذي يأخذون الخمس مقابل ترويج ثقافة الكراهية.
أما الفريق الذي يُشكك بما نقلته عن التراث الشيعي، فإنني أتمنى عليه أن يستدرك أو يُصحح أي حرفٍ أخطأتُ فيه، وله مني الشكر والتقدير، وأتقبل منه الرأي المخالف برحابة صدرٍ وسلامة نفسٍ، فالقضية هي قَصْدُ الحق، وإصابة الحقيقة.
أما الفريق الثالث، الذي يهرب إلى الأمام، فلا بد أن يعي حقيقة خطيرة، وهي أنَّ الغلو والتطرف إذا كان من صميم مذهبٍ ما؛ فإنه حتمًا لا حدود له، وهذا ما ينطبق على المذهب الشيعي الإثني عشري، الذي لم يكتف بتكفير واستباحة دماء أهل السنة، بل يبدو أن الغلو في التكفير قد وصلَ إلى حدٍ عظيمٍ، حيث تعدىالفرق غير الشيعية إلى الفرق الشيعيَّة -أيضاً- من غير الإثنى عشرية، وإن كانت من الشيعة الإمامية مثل: "الواقفة"، و"الفطحيَّة"، و"الناووسيَّة"، و"الإسماعيلية"، و"العلوية النصيرية"، أو غيرها "كالزيدية"، وغيرها من فرق الشيعة الأخرى، التي تُعتبر كافرةً مرتدةً نجسةً عند الإثني عشرية!
فهذا المرجع الشيعي الكبير المعاصر آية الله العظمى "محمد الحسيني الشيرازي"، يقول: (وأما سائر أقسام الشيعة غير الإثني عشرية، فقد دلت نصوص كثيرة على كفرهم، ككثير من الأخبار المتقدمة، الدالة على أن من جحد إماماً كان كمن قال: "إن الله ثالث ثلاثة")[1].
وبين يدينا الآن نصٌ من أهم وأخطر النصوص، وهو لعالمٍ من كبار علماء الإثني عشرية، يشرح فيه بكل وضوح حقيقة موقفهم من أهل السنة الذين يسمونهم "العامة"، وموقفهم من فرق الشيعة الأخرى، إنه نصٌ خطيرٌ وعظيمٌ في هذا الباب ويشرح لك بكل وضوح وشفافية معتقد الشيعة في أهل السنة، وكيفية التعامل معهم بناءً على "منهجية المخادعة"، وموقفهم من الفرق الشيعية الأخرى غير الإثني عشرية.
يقول الشيخ والعلامة الشيعي "بهاء الدين العاملي": (المستفاد من تصفح كتب علمائنا، المؤلفة في السير والجرح والتعديل، أن أصحابنا الإمامية كان اجتنابهم لمن كان من الشيعة على الحق أولاً، ثم أنكر إمامة بعض الأئمة -عليهم السلام- في أقصى المراتب، بل كانوا يحترزون عن مجالستهم، والتكلم معهم فضلاً عن أخذ الحديث عنهم، بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم بها "للعامة" –أي أهل السنة-، فإنهم كانوا يتقون "العامة"، ويجالسونهم وينقلون عنهم، ويظهرون لهم أنهم منهم، خوفا من شوكتهم، لأن حكام الضلال منهم.
وأما هؤلاء المخذولون، فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال، وخصوصاً "الواقفة"، فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم، والتباعد عنهم، حتى أنهم كانوا يسمونهم "الممطورة" أي: الكلاب التي أصابها المطر. وأئمتنا -عليهم السلام- كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم ومخالطتهم، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة، ويقولون: إنهم كفار، مشركون، زنادقة، وأنهم شر من النواصب، وأن من خالطهم فهو منهم، وكتب أصحابنا مملوءة بذلك)[2].
وقد نقل العلامة الشيعي الشيخ "الحر العاملي" الكلام السابق بطوله مؤيداً له ومُناصراً[3].
أقول: أتمنى من كل عاقلٍ أن يتأمل هذا النص الخطير!
إن موقف الشيعة الإثني عشرية من الشيعة الإمامية غير الإثني عشرية هو كما رأيت، فهم يعتقدون بكل صراحة حرمة مجالستهم، ووجوب الدعاء عليهم، وأنهم الكلاب الممطورة، وأنهم كفار، مشركون، زنادقة، وأنهم شر من النواصب، وأن من خالطهم فهو منهم، كل هذه الأحكام المغلظة والقاسية في حق مجموعاتٍ شيعيةٍ أنكرت فقط إمامًا واحدًا!
فبالله عليكم كيف هو موقفهم من أهل السنة؟ وهل يا ترى هؤلاء الشيعة يجيزون -عن قناعة عقائدية- مجالسة أهل السنة في مجالس الحوار الوطني و"الصوالين" الوطنية؟ وهل الدعوة إلى السلم المدني والتعايش السلمي دعوة حقيقية؟ وهل يعتبرون أنَّ أهل السنة مسلمون غير كفار، مؤمنون غير زنادقة مشركين؟
هل حقًا يؤمن الشيعة بذلك؟ أم أن المسألة كما بيَّنها علامتهم وإمامهم "بهاء الدين العاملي" أنَّ القضية مجرد "برنامج المخادعة التكتيكي" عبر "لعبة التقية" التي يُمارسونها مع أهل السنة؟
ثم لماذا يستخدمون مع أهل السنة إستراتيجية "المخادعة"؟
الجواب: قد قالها بكل صراحة الإمام الشيعي "بهاء الدين العاملي"، حيث بيَّن أن تلك الإستراتيجية بسبب الخوف من شوكة أهل السنة، لأن ولاة الأمر –"حكام الضلال" هكذا يقول العاملي- من أهل السنة!
إنَّ أقوى المستندات القانونية في العالم كله، وسيد الأدلة، هو اعتراف الشخص نفسه بدون ضغطٍ أو إكراه، إنه اعترافٌ صريحٌ من العالم الشيعي "بهاء الدين العاملي" بخداعهم لأهل السنة، وإظهارهم خلاف ما يـبطنون، واعتقادهم بأن حكام المسلمين حكام ضلال، ولهذا السبب فقط هم يتظاهرون بجواز مجالستهم والتودد لهم!
كيف يمكن للسني أن يثق في هؤلاء، وهم -كما يقرر شيخهم وإمامهم "بهاء الدين العاملي"- يداهنون أهل السنة حينما يكون أهل السنة أقوياء وبيدهم الحكم، لكن حينما لا تكون بين أهل السنة قوة؛ فإن الشيعة لا يحتاجون بعدُ للتقية أو المداهنة، ولذلك فإنهم يَظهَرون على حقيقة طباعهم وقناعاتهم، كما فعلوا مع الفرقة الشيعية "الواقفة" على ما حكى ذلك شيخهم وإمامهم "بهاء الدين العاملي".
أليس يحسن بالمخلصين والصادقين والعقلاء من جيل الشيعة الحديث، أن يراجعوا مواقفهم، وأن يتأملوا عقيدتهم تلك، القائمة على المخادعة والتلون، لأن دين الله لا خداع ولا تلون فيه.
أقول: دعونا الآن من موقفهم من أهل السنة، ولنمضي قُدُمًا في بيان موقفهم من بقية فرق الشيعة غير الإثني عشرية.
يقول العالم الشيعي "البياضي" في حق الشيعة الإسماعيلية: (إنهم خارجون عن الملة الحنيفية بالاعتقادات الرديئة، وذلك أنهم قالوا: كل ظاهر فله باطن، وأن الله بتوسط كلمة "كن" أوجد عالمي الخلق والأمر، فجعلوه محتاجاً في فعله إلى الواسطة والآلة)[3].
وقال العلامة الشيعي "محمد طاهر النجفي": (وأما الإسماعيلية فمذهبهم واضح البطلان، لسوء عقائدهم، وقبح مذاهبهم)[4].
ونصَّ المحقق الشيعي الشهير "الحلي" على نجاسة الإسماعيلية[5].
ووصف "عبدالله شُبر" الإسماعيلية بأنها: (من الفرق الضالة المبتدعة)[6].
وقال العلامة والإمام الشيعي "النوري الطبرسي": (ووافقنا على ذلك السيد الفاضل المعاصر "الخونساري" رحمه الله في الروضات في ترجمة "جلال الرومي" حيث قال: الإسماعيلية وإن كانوا في ظاهر دعاويهم الكاذبة، من جملة فرق الشيعة المنكرين لخلافة غير أمير المؤمنين عليه السلام، إلا أن الغالب عليهم الإلحاد، والزندقة، والمروق عن الدين، والخروج عن دائرة الموحدين، والمليين، وأتباع النبيين)[7].
إذًا، الفرق الشيعية الأخرى كالإسماعيلية وبقية الشيعة الإمامية غير الإثني عشرية، عند الشيعة الإثني عشرية هم كفارٌ ومشركون وأنجاسٌ وكلابٌ، وملاحدةٌ، وزنادقةٌ، يحرم مجالستهم. وهكذا كما ترى، سرى سُعَار التكفير والإقصاء حتى وصل الفرق الشيعية الأخرى، ولم يختلف حالها عن غيرها منالفرق والطوائف غير الشيعية.
هذا ما جعل الدكتور الإسماعيلي المعاصر "عارف تامر" يشتكي من ظلم الشيعة الإثني عشرية لطائفته الإسماعيلية عبر التاريخ، وجعله يترحم على أهل السنة وعلى معاملتهم للإسماعيلية، حيث يقول: (صرت أخشى أن ينالني مثلهم -يقصد قدماء الإسماعيلية- وأن يأتيني الدور فأتهم في عقيدتي وديني. إنَّ كل هذا يدفعني إلى الترحم على الأمويين والعباسيين الأعداء، فهم ليسوا أقسى قلباً من أبناء العم الأقربين)[8].
طبعًا، لم تقف الإسماعيلية مكتوفة اليد أمام هذا الهجوم الإثني عشري، فقد ردت الإسماعيلية التضليل بالتضليل، والتكفير بالتكفير، حيث رأوا أنَّ بعض أئمةالإثني عشرية أئمة ضلال، وأنهم أعظموا الفرية على الله، وأنهم جاءوا ليطفئوا نور الله، ومنعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعوا في خرابها، وأنهم شابهوا عقيدة النصارى في مهديهم الذي سيرجع آخر الزمان ليفصل بين الحق والباطل..إلخ [9].
أقول: تأمل أخي القارئ -وفقك الله- ما قاله الدكتور الإسماعيلي "عارف تامر"، ثم تمعن طويلاً في كلام شيخ الإسلام "ابن تيمية"، لتعلم أن ما يقوله هذا الإمام الرباني آتٍ عن تجربة حقيقة، وأنه لا يرمي بالكلام في الهواء.
قال ابن تيمية: (فأهل السنة يستعملون معهم -أي المخالفين- العدل والإنصاف، ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقاً، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض، وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضاً، ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض)[10].
المصادر والمراجع:
(1) كتاب الفقه- الشيرازي (4/ 269) دار العلوم، بيروت - لبنان.
(2) مشرق الشمسين- الشيخ بهاء الدين العاملي (273-274) مطبعة مهر، الطبعة الحجرية، إيران - قم 1398.
(3) وسائل الشيعة- الحر العاملي (3/ 203- 204).
(4) كتاب الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم- علي العاملي البياضي (2/ 272) المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
(5) الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين- النجفي، تحقيق: مهدي الرجائي (ص492).
(6) انظر: شرائع الإسلام - الحلي (1/ 12).
(7) حق اليقين- عبدالله شبر (ص251).
(8) خاتمة مستدرك الوسائل - المحقق الميرزا النوري الطبرسي (1 / 139) تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1415هـ، مدينة قم.
(9) كتاب افتتاح الدعوة- القاضي النعمان التميمي، تقديم: عارف تامر (ص10) الطبعة الأولى 1416هـ، دار الأضواء- بيروت.
(10) انظر: سرائر وأسرار النُطقاء- الداعي جعفر بن منصور اليمن، تحقيق: مصطفى غالب (ص 246- 264) دار الأندلس.
(11) منهاج السنة النبوية (5/ 157- 158).
ثارت الحلقات السابقة من سلسلة (الشيعة والآخر) بعض القراء الشيعة، الذين أعرب بعضهم عن حزنه الشديد لوجود تلك النصوص الكثيرة التي يتميز بها التراث الشيعي، والتي تُغذي باستمرار روافد الكراهية والإقصاء والتكفير، وأبدى بعضهم حزنه وأساه بسبب ما يتمتع به هذا التراث، في عصرنا اليوم، من الحصانة والحماية والتجديد، من قبل كثيرٍ من المرجعيات الشيعية.
كان واضحًا على بعضهم الصدمة والحزن معًا، وبعضهم حاول أن يُشكك في صحة ثبوت تلك النصوص، والبعض الآخر حاول أن يتجاهلها ليهرب إلى الأمام. إنني أتفق مع الفريق الأول أن حجم الكارثة كبير بهذا التراث، الذي يُغذي عقول الأطفال والشباب بالكراهية، ويُكرس "الانفصال الشعوري" عن المجتمع الأم، ليَعْزِلَ تلك العقول البريئة في "الغَتو" المنغلق على نفسه، والمُسَيّطَر عليه من قبل المراجع، الذي يأخذون الخمس مقابل ترويج ثقافة الكراهية.
أما الفريق الذي يُشكك بما نقلته عن التراث الشيعي، فإنني أتمنى عليه أن يستدرك أو يُصحح أي حرفٍ أخطأتُ فيه، وله مني الشكر والتقدير، وأتقبل منه الرأي المخالف برحابة صدرٍ وسلامة نفسٍ، فالقضية هي قَصْدُ الحق، وإصابة الحقيقة.
أما الفريق الثالث، الذي يهرب إلى الأمام، فلا بد أن يعي حقيقة خطيرة، وهي أنَّ الغلو والتطرف إذا كان من صميم مذهبٍ ما؛ فإنه حتمًا لا حدود له، وهذا ما ينطبق على المذهب الشيعي الإثني عشري، الذي لم يكتف بتكفير واستباحة دماء أهل السنة، بل يبدو أن الغلو في التكفير قد وصلَ إلى حدٍ عظيمٍ، حيث تعدىالفرق غير الشيعية إلى الفرق الشيعيَّة -أيضاً- من غير الإثنى عشرية، وإن كانت من الشيعة الإمامية مثل: "الواقفة"، و"الفطحيَّة"، و"الناووسيَّة"، و"الإسماعيلية"، و"العلوية النصيرية"، أو غيرها "كالزيدية"، وغيرها من فرق الشيعة الأخرى، التي تُعتبر كافرةً مرتدةً نجسةً عند الإثني عشرية!
فهذا المرجع الشيعي الكبير المعاصر آية الله العظمى "محمد الحسيني الشيرازي"، يقول: (وأما سائر أقسام الشيعة غير الإثني عشرية، فقد دلت نصوص كثيرة على كفرهم، ككثير من الأخبار المتقدمة، الدالة على أن من جحد إماماً كان كمن قال: "إن الله ثالث ثلاثة")[1].
وبين يدينا الآن نصٌ من أهم وأخطر النصوص، وهو لعالمٍ من كبار علماء الإثني عشرية، يشرح فيه بكل وضوح حقيقة موقفهم من أهل السنة الذين يسمونهم "العامة"، وموقفهم من فرق الشيعة الأخرى، إنه نصٌ خطيرٌ وعظيمٌ في هذا الباب ويشرح لك بكل وضوح وشفافية معتقد الشيعة في أهل السنة، وكيفية التعامل معهم بناءً على "منهجية المخادعة"، وموقفهم من الفرق الشيعية الأخرى غير الإثني عشرية.
يقول الشيخ والعلامة الشيعي "بهاء الدين العاملي": (المستفاد من تصفح كتب علمائنا، المؤلفة في السير والجرح والتعديل، أن أصحابنا الإمامية كان اجتنابهم لمن كان من الشيعة على الحق أولاً، ثم أنكر إمامة بعض الأئمة -عليهم السلام- في أقصى المراتب، بل كانوا يحترزون عن مجالستهم، والتكلم معهم فضلاً عن أخذ الحديث عنهم، بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم بها "للعامة" –أي أهل السنة-، فإنهم كانوا يتقون "العامة"، ويجالسونهم وينقلون عنهم، ويظهرون لهم أنهم منهم، خوفا من شوكتهم، لأن حكام الضلال منهم.
وأما هؤلاء المخذولون، فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال، وخصوصاً "الواقفة"، فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم، والتباعد عنهم، حتى أنهم كانوا يسمونهم "الممطورة" أي: الكلاب التي أصابها المطر. وأئمتنا -عليهم السلام- كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم ومخالطتهم، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة، ويقولون: إنهم كفار، مشركون، زنادقة، وأنهم شر من النواصب، وأن من خالطهم فهو منهم، وكتب أصحابنا مملوءة بذلك)[2].
وقد نقل العلامة الشيعي الشيخ "الحر العاملي" الكلام السابق بطوله مؤيداً له ومُناصراً[3].
أقول: أتمنى من كل عاقلٍ أن يتأمل هذا النص الخطير!
إن موقف الشيعة الإثني عشرية من الشيعة الإمامية غير الإثني عشرية هو كما رأيت، فهم يعتقدون بكل صراحة حرمة مجالستهم، ووجوب الدعاء عليهم، وأنهم الكلاب الممطورة، وأنهم كفار، مشركون، زنادقة، وأنهم شر من النواصب، وأن من خالطهم فهو منهم، كل هذه الأحكام المغلظة والقاسية في حق مجموعاتٍ شيعيةٍ أنكرت فقط إمامًا واحدًا!
فبالله عليكم كيف هو موقفهم من أهل السنة؟ وهل يا ترى هؤلاء الشيعة يجيزون -عن قناعة عقائدية- مجالسة أهل السنة في مجالس الحوار الوطني و"الصوالين" الوطنية؟ وهل الدعوة إلى السلم المدني والتعايش السلمي دعوة حقيقية؟ وهل يعتبرون أنَّ أهل السنة مسلمون غير كفار، مؤمنون غير زنادقة مشركين؟
هل حقًا يؤمن الشيعة بذلك؟ أم أن المسألة كما بيَّنها علامتهم وإمامهم "بهاء الدين العاملي" أنَّ القضية مجرد "برنامج المخادعة التكتيكي" عبر "لعبة التقية" التي يُمارسونها مع أهل السنة؟
ثم لماذا يستخدمون مع أهل السنة إستراتيجية "المخادعة"؟
الجواب: قد قالها بكل صراحة الإمام الشيعي "بهاء الدين العاملي"، حيث بيَّن أن تلك الإستراتيجية بسبب الخوف من شوكة أهل السنة، لأن ولاة الأمر –"حكام الضلال" هكذا يقول العاملي- من أهل السنة!
إنَّ أقوى المستندات القانونية في العالم كله، وسيد الأدلة، هو اعتراف الشخص نفسه بدون ضغطٍ أو إكراه، إنه اعترافٌ صريحٌ من العالم الشيعي "بهاء الدين العاملي" بخداعهم لأهل السنة، وإظهارهم خلاف ما يـبطنون، واعتقادهم بأن حكام المسلمين حكام ضلال، ولهذا السبب فقط هم يتظاهرون بجواز مجالستهم والتودد لهم!
كيف يمكن للسني أن يثق في هؤلاء، وهم -كما يقرر شيخهم وإمامهم "بهاء الدين العاملي"- يداهنون أهل السنة حينما يكون أهل السنة أقوياء وبيدهم الحكم، لكن حينما لا تكون بين أهل السنة قوة؛ فإن الشيعة لا يحتاجون بعدُ للتقية أو المداهنة، ولذلك فإنهم يَظهَرون على حقيقة طباعهم وقناعاتهم، كما فعلوا مع الفرقة الشيعية "الواقفة" على ما حكى ذلك شيخهم وإمامهم "بهاء الدين العاملي".
أليس يحسن بالمخلصين والصادقين والعقلاء من جيل الشيعة الحديث، أن يراجعوا مواقفهم، وأن يتأملوا عقيدتهم تلك، القائمة على المخادعة والتلون، لأن دين الله لا خداع ولا تلون فيه.
أقول: دعونا الآن من موقفهم من أهل السنة، ولنمضي قُدُمًا في بيان موقفهم من بقية فرق الشيعة غير الإثني عشرية.
يقول العالم الشيعي "البياضي" في حق الشيعة الإسماعيلية: (إنهم خارجون عن الملة الحنيفية بالاعتقادات الرديئة، وذلك أنهم قالوا: كل ظاهر فله باطن، وأن الله بتوسط كلمة "كن" أوجد عالمي الخلق والأمر، فجعلوه محتاجاً في فعله إلى الواسطة والآلة)[3].
وقال العلامة الشيعي "محمد طاهر النجفي": (وأما الإسماعيلية فمذهبهم واضح البطلان، لسوء عقائدهم، وقبح مذاهبهم)[4].
ونصَّ المحقق الشيعي الشهير "الحلي" على نجاسة الإسماعيلية[5].
ووصف "عبدالله شُبر" الإسماعيلية بأنها: (من الفرق الضالة المبتدعة)[6].
وقال العلامة والإمام الشيعي "النوري الطبرسي": (ووافقنا على ذلك السيد الفاضل المعاصر "الخونساري" رحمه الله في الروضات في ترجمة "جلال الرومي" حيث قال: الإسماعيلية وإن كانوا في ظاهر دعاويهم الكاذبة، من جملة فرق الشيعة المنكرين لخلافة غير أمير المؤمنين عليه السلام، إلا أن الغالب عليهم الإلحاد، والزندقة، والمروق عن الدين، والخروج عن دائرة الموحدين، والمليين، وأتباع النبيين)[7].
إذًا، الفرق الشيعية الأخرى كالإسماعيلية وبقية الشيعة الإمامية غير الإثني عشرية، عند الشيعة الإثني عشرية هم كفارٌ ومشركون وأنجاسٌ وكلابٌ، وملاحدةٌ، وزنادقةٌ، يحرم مجالستهم. وهكذا كما ترى، سرى سُعَار التكفير والإقصاء حتى وصل الفرق الشيعية الأخرى، ولم يختلف حالها عن غيرها منالفرق والطوائف غير الشيعية.
هذا ما جعل الدكتور الإسماعيلي المعاصر "عارف تامر" يشتكي من ظلم الشيعة الإثني عشرية لطائفته الإسماعيلية عبر التاريخ، وجعله يترحم على أهل السنة وعلى معاملتهم للإسماعيلية، حيث يقول: (صرت أخشى أن ينالني مثلهم -يقصد قدماء الإسماعيلية- وأن يأتيني الدور فأتهم في عقيدتي وديني. إنَّ كل هذا يدفعني إلى الترحم على الأمويين والعباسيين الأعداء، فهم ليسوا أقسى قلباً من أبناء العم الأقربين)[8].
طبعًا، لم تقف الإسماعيلية مكتوفة اليد أمام هذا الهجوم الإثني عشري، فقد ردت الإسماعيلية التضليل بالتضليل، والتكفير بالتكفير، حيث رأوا أنَّ بعض أئمةالإثني عشرية أئمة ضلال، وأنهم أعظموا الفرية على الله، وأنهم جاءوا ليطفئوا نور الله، ومنعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعوا في خرابها، وأنهم شابهوا عقيدة النصارى في مهديهم الذي سيرجع آخر الزمان ليفصل بين الحق والباطل..إلخ [9].
أقول: تأمل أخي القارئ -وفقك الله- ما قاله الدكتور الإسماعيلي "عارف تامر"، ثم تمعن طويلاً في كلام شيخ الإسلام "ابن تيمية"، لتعلم أن ما يقوله هذا الإمام الرباني آتٍ عن تجربة حقيقة، وأنه لا يرمي بالكلام في الهواء.
قال ابن تيمية: (فأهل السنة يستعملون معهم -أي المخالفين- العدل والإنصاف، ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقاً، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض، وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضاً، ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض)[10].
المصادر والمراجع:
(1) كتاب الفقه- الشيرازي (4/ 269) دار العلوم، بيروت - لبنان.
(2) مشرق الشمسين- الشيخ بهاء الدين العاملي (273-274) مطبعة مهر، الطبعة الحجرية، إيران - قم 1398.
(3) وسائل الشيعة- الحر العاملي (3/ 203- 204).
(4) كتاب الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم- علي العاملي البياضي (2/ 272) المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
(5) الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين- النجفي، تحقيق: مهدي الرجائي (ص492).
(6) انظر: شرائع الإسلام - الحلي (1/ 12).
(7) حق اليقين- عبدالله شبر (ص251).
(8) خاتمة مستدرك الوسائل - المحقق الميرزا النوري الطبرسي (1 / 139) تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1415هـ، مدينة قم.
(9) كتاب افتتاح الدعوة- القاضي النعمان التميمي، تقديم: عارف تامر (ص10) الطبعة الأولى 1416هـ، دار الأضواء- بيروت.
(10) انظر: سرائر وأسرار النُطقاء- الداعي جعفر بن منصور اليمن، تحقيق: مصطفى غالب (ص 246- 264) دار الأندلس.
(11) منهاج السنة النبوية (5/ 157- 158).
المصدر: ملتقى نـور الحـق الإسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق