الأحد، 20 أكتوبر 2013

لماذا لا نجد روايات جعفر الصادق كثيرة في كتب أهل السنة ؟

لماذا لا نجد روايات جعفر الصادق كثيرة في كتب أهل السنة ؟

روى المجلسي في بحار الأنوار ج25 ، ص302 :- قال أبو عمرو الكشي (من كبار علماء الرجال عند الإثناعشرية) :- قال يحيى بن عبد الحميد الحماني في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنين (ع) :- قلت لشريك (القاضي) :-
إن أقواما يزعمون أن جعفر بن محمد ضعيف الحديث !!
فقال شريك :- أخبرك القصة :- 
" كان جعفر بن محمد رجلاً صالحاً مسلماً ورعاً .. فاكتنفه قوم جُهّال يدخلون عليه ويخرجون من عنده .. ويقولون : حدثنا جعفر بن محمد ، ويحدثون بأحاديث كلها منكرات كاذبة موضوعةعلى جعفر ، ليستأكلون الناس بذلك ، ويأخذون منهم الدراهم ، كانوا يأتون من ذلك بكل منكر !
فسمعت العوام بذلك منهم ، فمنهم من هلك ، ومنهم من أنكر . وهؤلاء مثل المفضل بن عمر وبنان وعمر النبطي وغيرهم .. ذكروا أن جعفراً حدثهم أن معرفة الامام تكفي من الصوم والصلاة ! وأنه حدثهم عن الرجعة قبل يوم القيامة ! (عقيدة الرجعة موجودة عند الإثناعشرية) .. وأن علياً عليه السلام في السحاب يطير مع الريح ! وأنه كان يتكلم بعد الموت ! وأنه كان يتحرك على المغتسل ! وأن إله السماء وإله الأرض الإمام ! فجعلوا لله شريكاً !!! والله ما قال جعفر شيئاً من هذا قط ، كان جعفر أتقى لله وأورع من ذلك .. فسمع الناس ذلك فضعّفوه (تركوا أحاديثه) ! ولو رأيتَ جعفراً لعلمتَ أنه واحد الناس(لا نظير له) " ...
راجع/ مكتبة أهل البيت/ بحار الأنوار للمجلسي (إثناعشري) 25 / 302 – 303 ) .
تعليق
أولاً :- العلة ليست في جعفر الصادق ، وإنما في الثلة التي تجمعت حوله كالسوار حول المعصم . فقد أصبحوا مثل الشوكة في حلق أهل البيت ، لا يمكنهم إبتلاعها ولا رفضها !!
وقد أشار جعفر الصادق إلى ذلك بوضوح ، فقال (ع) يوماً لأحد أصحابه :-
إنهم يتكلمون بكلام إن أنا أقررتُ به ورضيتُ به أقمتُ على الضلالةِ ، وإن برئتُ منهم شُقَّ عليَّ ، نحن قليل وعدونا كثير(إختيار معرفة الرجال للطوسي 2/ 435 ، جامع الرواة للأردبيلي ، قاموس الرجال للتستري ، طرائف المقال للبروجردي 2/ 555 ، معجم رجال الحديث للخوئي 18/ 41 ) .

فيبدو أن أكبر مشكلة واجهت جعفر الصادق (ع) كانت مع الشيعة الإمامية (الروافض) ! فقد أحاطوا به من كل جانب ، وإدعوا أنهم أصحابه وشيعته ، في حين تخلى الجميع عنه سياسياً .
فحتى الشيعة الأصلاء (الذين هم أقرب إلى الزيدية) تركوه ، وإنضموا إلى ثورة محمد ذي النفس الزكية (من أحفاد الحسن بن علي) ، ولم يبق حوله سوى الروافض .
فإن أيّدهم في عقائدهم صار ضالاً مُضلاً .. وإن تبرأ منهم صار وحيداً !!
يبدو أنه (ع) وقع في نفس الورطة التي وقع فيها جده علي بن أبي طالب (ع) ! فقد إلتف حوله جماعة من (الطفيليات) ! إذا أيّدهم ضلّ ، وإذا تبرّأ منهم ضعف !!

مشكلة جعفر الصادق مع الكذابين ( راجع/ البحار للمجلسي ج47 ) :- كما حصل مع أبيه الباقر ، فقد إبتلي الصادق بالرواة الغلاة الكذابين ..
الإثناعشرية يتعاملون مع الرواة حسب مذهبهم . فالذين إستمروا على مذهب الإثناعشرية فهو ممدوح محبوب عندهم ، مثل عبد الأعلى وعبيدة بن بشر الذين إدعوا أن جعفر الصادق قال لهما :- والله إني لأعلم ما في السموات وما في الأرض وما في الجنة وما في النار ، وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ( ص35 ) .
وفوجئ الصادق يوماً ببعض سودان المدينة وهم يهتفون : لبيك يا جعفر بن محمد لبيك . فغضب (ع) وأصيب بالذعر والخوف ، وسجد لله تعالى ( ص43 ) .
فكان (ع) يرفض هذا الغلو ، ويقول :- إنا والله عبيد مخلوقون ، لنا رب نعبده ، وإن لم نعبده عذّبنا ( ص125 ) .
وقد ضاق الصادق ذرعاً من أصحابه، فقال يوماً:- إن أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في صلاتهم في رمضان، وقد زاد رسول الله (ص) في صلاته في رمضان ( وسائل الشيعة للحر العاملي (إثناعشري) 8/ 23 ) . أظنه كان يقصد صلاة التراويح ، سواءاً بشكلها (العُمَري) ، أم لا ..

أبو الخطاب محمد بن مقلاص :- كان في البداية تلميذاً محضياً عند جعفر الصادق ، فقد كان يحمل مسائل شيعة الكوفة إليه ويعود بجواباته ( ص346 ) . وعندما إشتكى منه الناس لشتمه الصحابة ، لم يصدّق جعفر الصادق ذلك ودافع عنه! ( ص111 ) .
ثم إزداد أبو الخطاب غلواً ، فتبرأ الصادق منه ولعنه ( ص336 ، 338 ).
ولكن بعد فوات الأوان ، فقد إستطاع أبو الخطاب أن يؤثر هو وأتباعه في أهل الكوفة ، حتى قال بعضهم:- لبيك جعفر ، لبيك معراج ( ص378 ).
وقد أفسد أبو الخطاب أهل الكوفة ، فصاروا لا يُصلون المغرب حتى يغيب الشفق . فقد سئل الصادق :- أأؤخر المغرب حتى تستبين النجوم ؟ فقال :- خطابية ( يعني أنها بدعة من أبي الخطاب ) ، إن جبرئيل نزل بها ( صلاة المغرب ) على محمد (ص) حين سقط القرص ( قرص الشمس، وهو ما يفعله السنة ) (الإستبصار للطوسي 1/ 262 ، التهذيب للطوسي 2/ 28 ، البحار للمجلسي 80/ 65 ، رجال الكشي 2/ 577 ، البحار 53/ 39 الهامش ) .
وبقي تأثير أبي الخطاب في شيعة الكوفة حتى ما بعد وفاة الإمام الحسن العسكري ( ص334 ) .
والعجيب أن الإثناعشرية يقولون أن الإمام يستطيع تمييز المؤمن من المنافق بمجرد النظر إليه !! ( ص118 ) ، فكيف إنخدع الصادق بأبي الخطاب هذا في البداية ؟!

هشام بن الحكم (فيلسوف الإمامية) :- ظهر في زمان جعفر الصادق . وهو صاحب نظرية الإمام المعصوم الضرورة ، فكان يناقش الناس بأن الله تعالى لا بد أن يُعيّن إماماً للمسلمين ، يجمع كلمتهم ويُخبرهم بحقهم من باطلهم ( ص157 ) .
وكان كلامه هذا من الأسباب التي أودت بحبس موسى الكاظم. ولهذا كان علي الرضا بن موسى الكاظم يكرهه ، ويحمّله مسؤولية سجن أبيه الكاظم .
والغريب أن لا أحد يعرف أصله ! فهو من موالي بني شيبان ، وكفى !
ويقال أنه كان في البداية زنديقاً، ثم أصبح من المُشبّهة والمُجسّمة، ثم أصبح من المعتزلة، ثم أصبح من الشيعة الإمامية! وهو الآن عند الإثناعشرية من الشيعة العظماء الذين يؤخذ عنهم الفقه ولا يجوز لأحد أن يطعن فيهم ! (راجع معجم رجال الحديث للخوئي/ ترجمة هشام بن الحكم ) .
وكان الرضا (ع) يكرهه ويحمّله مسؤولية ما حصل لأبيه الكاظم . فقال الرضا (ع) يوماً لشيعته :- أما كان لكم في الكاظم (ع) عظة؟ ما ترى حال هشام بن الحكم ؟ فهو الذي صنع بالكاظم (ع) ما صنع، وقال لهم وأخبرهم ؟ أترى الله يغفر له ما ركب منا ؟ (إختيار معرفة الرجال للطوسي 2/ 561 ، قرب الإسناد للحميري القمي ص 381 ، مختصر بصائر الدرجات للحلي ص 105 ، البحار 48/ 196 – 52/ 111 ، معجم رجال الحديث للخوئي 20/ 315 ، قاموس الرجال للتستري 10/ 534 ) .

زرارة بن أعين ( راجع معجم الخوئي / ترجمة زرارة بن أعين 8/ 225 ) :- من أشهر رواة الإثناعشرية قاطبة ، ويعتبرونه من أصحاب الإجماع الذين أجمع الإثناعشرية على صدقهم وعدالتهم . عاش في زمن الباقر والصادق .
كان قليل الأدب ! فقد قال يوماً :- والله ، لو حدثتُ بكل ما سمعته من أبي عبد الله ( جعفر الصادق ) لإنتفخت ذكور الرجال على الخشب (!!) وقال يوماً عنه (ع) :- إن في قلبي عليه لفتة .. قال ذلك لأن الإمام قد ذمّه وأخرج مخازيه . وقال :- سألتُه (ع) عن شيء ، فلما خرجتُ منه ، ضرطتُ في لحيته ، وقلتُ : لا يُفلح أبداً (!!) . وقال :- صاحبكم هذا ( يقصد جعفر الصادق ) ليس له بصر بكلام الرجال (!!) . وأرسل زرارة يوماً رجلاً إليه (ع) يسأله :- هل أنا من أهل النار أم من أهل الجنة ؟ فقال الصادق للسائل :- هو من أهل النار ، من إدعى عليّ هذا فهو من أهل النار ، فلما وصل الجواب لزرارة ، قال :- عمل (ع) بالتقية (!!) ( رجال الكشي 1/ 3 ) .
يروي أحد الشيعة :- دخلتُ على أبي عبد الله ( جعفر الصادق ) ، فقال لي :- كيف تركتَ زرارة ؟ فقلتُ :- تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس . فقال :- فأنتَ رسولي إليه ، فقل له فليصلِ في مواقيت أصحابي . فأبلغتُ زرارة ذلك ، فقال :- أنا والله أعلمُ أنك لم تكذب عليه ، ولكن أمرني بشيء ، فأكره أن أدعه (!!) .
وقال أحدهم :- قلتُ لأبي عبد الله (ع) : إن زرارة قد روى عن أبي جعفر ( محمد الباقر ) أنه لا يرث مع الأم والأب والإبن والبنت أحد من الناس شيئاً إلا زوج أو زوجة . فقال الصادق :- أما ما رواه عن أبي جعفر فلا يجوز لي رده ، وأما ما في الكتاب في سورة النساء فإن الله عز وجل يقول (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق إثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف )) والكتاب ، يا يونس ، قد ورّث ههنا مع الأبناء ، فلا تورّث البنات إلا الثلثين .. وكما هو معروف ، فإن الإثناعشرية اليوم يُخالفون كلام الصادق هذا ، ويُعطون الميراث كله للبنت الواحدة !!
ذم زرارة :- عدا ما ذكرنا سابقاً ، فقد وردت ستة وثلاثون رواية في كتب الإثناعشرية فيها الإمام يذم زرارة ، منها :- كذب عليَّ والله ، كذب عليَّ والله ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة .. اللهم لو لم يكن جهنم إلا سكرجة ( إناء صغير ) لوسعها آل أعين .. إئتِ زرارة وبريداً ( أحد رواة الإثناعشرية ) قل لهما ما هذه البدعة التي إبتدعتماها ، أما علمتما أن رسول الله (ص) قال كل بدعة ضلالة .. لا يموتُ زرارة إلا تائهاً .. ما أحدثَ أحد في الإسلام مثلما أحدث زرارة من البدع ، عليه لعنة الله .. هذا والله من الذين وصفهم الله في كتابه العزيز (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثوراً )) .. إنّ هذا من مسائل آل أعين ، ليس من ديني ولا دين آبائي .. إنّ قوماً يعارون الإيمان عارية ثم يسلبونه ، فيقال لهم يوم القيامة المعارون ، أما إن زرارة بن أعين منهم .. إنّ زرارة يريدني على القدر على كبر السن ، وليس من ديني ولا دين آبائي .. إنْ مرض زرارة فلا تعده ، وإن مات فلا تشهد جنازته .. إنّ الله قد نكس قلب زرارة .
وقد حاول أبو القاسم الخوئي تضعيف معظم هذه الروايات ، ولكنه إعترف في النهاية أن بعضها صحيح السند ، فقال :- إنه لم يثبت صدور أكثرها من المعصوم (ع) ، من جهة ضعف إسنادها ، وأما ما ثبت صدوره ، فلا بد من حمله على التقية (!!) وإستدل بروايات رواها أقرباء زرارة ( إبنه وإبن عمه ) إدعيا فيها أن الإمام لعن زرارة وذمّه لكي يُبعد عيون السلطة عنه ، فلا تؤذيه (!!) ( راجع معجم الخوئي / ترجمة زرارة بن أعين 8/ 225 ) .. وهذا من أعجب العجب !! هل يُعقل أن الصادق الصدوق يكذب على مئات الناس ويخدعهم ، بهذه الكمية من الشتائم الكاذبة ؟! كان بإمكانه أن يُنكر معرفته بزرارة ، وكفى !!!!
تناقض الروايات :- بسبب كثرة الكذابين ، وصلت إلى الناس روايات عن الأئمة تخالف بعضها بعضاً . وقد ورث الإثناعشرية هذه المشكلة ، حتى يكاد يكون التناقض السمة المميزة في المذهب الإثناعشري . وقد إعترف شيخهم أبو جعفر الطوسي بذلك، فقال: أحاديث أصحابنا ،، وقع فيها من الإختلاف ، والتباين ، والمنافاة ، والتضاد ، حتى لا يكاد يتفق خبر ، إلا وبإزائه ما يُضاده ، ولا يسلم حديث ، إلا وفي مقابله ما ينافيه ( التهذيب للطوسي 1/ 1 ) .
ويبرر الإثناعشرية ذلك تارة بذريعة التقية (ص152 ) ، وتارة أخرى بإسم التفويض ( أي أن الله ورسوله قد أجاز لهم إصدار فتاوى متناقضة ) !! ( ص50 ) وتارة بإسم التفسير الباطني ( ص338 ) .
فمثلاً :- سأله أحدهم أن أباه كان من سبايا بني أمية ، فقال :- أنت في حل مما كان من ذلك ، فخرج فرحاً .. ثم دخل عليه آخر ، وسأله نفس المسألة ، فقال :- ما ذلك إلينا ، ما لنا أن نحل ولا أن نحرم ، فخرج الرجل محتاراً ! ( ص366 ) . وهذا أغرب من الخيال ، بل هذا هو التناقض العجيب الذي يمتاز به الإثناعشرية .

ففي الوقت الذي فيه يقولون أن الإمام معصوم من الخطأ والنسيان والسهو(عقائد الإمامية للمظفر (إثناعشري) ص 67 )، وبالتالي فإن كلامه دستور يجب الإلتزام ، وأنه هو بمثابة قرآن ناطق ، وعلمه مثل علم النبي (ص) تماماً ، وهو في نفس الوقت يمتلك قدرات عظيمة وقوة خارقة ، إذا بهم يعودون ويقولون أن المعصوم قد يُصدر فتاوى مختلفة متناقضة – بعضها حرام أو كفر في نظرهم - إذا خاف على نفسه أو أهله أو أصحابه ( أي تقية ) !! 

علاقة جعفر الصادق بأصحابه وأصحاب أبيه :- لم يكن الصادق يثق بالكثير من شيعته ، فرغم إدعائهم بأنهم كانوا عدة آلاف ، كان (ع) لا يرى شيعته أكثر من سبعة عشر رجلاً ، بل أقل ! ( ص373 ).
قال (ع) يوماً :- اللهم إغفر لي ولأصحاب أبي ، فإني أعلم أنّ فيهم من يُنقّصني ( ص17 ) .
وكان (الصادق) يخالف أباه الباقر في العديد من فتاواه ، فقد نقل الإثناعشرية أن الباقر كان يقول في مسألة ما كذا وكذا ، ويقول إبنه جعفر الصادق كذا وكذا ، وهذا ما سبّب إختلافاً في آراء أصحاب الباقر وآراء أصحاب الصادق ( ص389 ) . 
هذا ممكن ومعقول إذا قلنا إنهما فقيهان عظيمان ، و كل له رأيه وإجتهاده ..
أما إذا قلنا إنهما إمامان معصومان ، لا يأتيهما الباطل من بين أيديهما ولا من خلفهما ، ثم يخرج كل هذا التناقض منهما !! فهذا غريب .. غريب جداً ، وغير معقول ..

نفس المشكلة كانت في زمن أبيه الباقر :-عاش محمد الباقر (ع) في فترة ضعف الدولة الأموية وبروز الدعوة الهاشمية من خراسان، مما أعطى فرصة للتحزب والتمذهب، وإلتفاف كل جماعة حول إمامها.
وهذا له جانب سلبي ، حيث سمح للكذابين والمزوّرين أن يجتمعوا حول العلماء ، ويقولون ما يشاؤون على لسانهم زوراً وبهتاناً ، إذ لا توجد حكومة مركزية تحاسبهم .
وقد حدث هذا مع أئمة أهل البيت (ع) ، ولكنه إزداد في عهد محمد الباقر وإبنه جعفر الصادق ، لضعف الدولة آنذاك .
وقد أشار الباقر إلى ذلك ، فذكر عبد الله بن سبأالذي كان يكذب على علي بن أبي طالب ، وذكر المختار الثقفيالذي كان يكذب على الحسين ، وذكر غيرهم ، ثم قال :- لعنهم الله( رجال الكشي (إثناعشري) ص 257 ، معجم رجال الحديث للخوئي (إثناعشري) 4/ 205 ) .

فظهر في زمانه العديد من الغلاة الذين إدعوا أنهم من أصحاب الإمام ، وبدأوا يلفقون الأحاديث التي فيها غلو فاحش في حب أهل البيت ، وينسبونها للإمام . ثم ينشرونها بين الناس ، وخاصة في الكوفة ، إلى درجة جعلت الباقر ييأس من إصلاحهم .

فقد سئل الباقر يوماً :- أنت الإمام ؟ قال :- لا . قيل :- فإن قوماً بالكوفة يزعمون أنك إمام . قال :- ما أصنع ؟ قال :- تكتب إليهم تُخبرهم . قال :- لا يُطيعوني( البحار 46/ 356 ) ..
أما موقف الإثناعشرية اليوم من هؤلاء الرواة فيعتمد على مذهب الراوي !!
فإذا إستمر على مذهب الإثناعشرية ، فهم ممدوح عندهم ، مثل جابر بن يزيد الجعفي وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية .
وإذا تحوّل إلى الزيدية ، مثل أبي الجارود ، أو بايع محمد النفس الزكية من أولاد الحسن ، مثل المغيرة بن سعيد ( البحار 46/250 ) فإنهم يرفضونه ويشتمونه ويتهموه بالكذب والفجور !!!

ثانياً :- في الحديث أعلاه كلام فيه غلو فاحش :- الطير في السماء والحركة بعد الموت ، وغيرها ..
وقد تبرأ الأئمة (ع) من هذا القول ، ونسبوه إلى غلاة الشيعة (البحار للمجلسي 25/ 261 باب نفي الغلو). 
ولكن كتب الإثناعشرية طافحة بهذا الغلو ، ولا يُنكرونه !!! فقالوا :-
في قوله (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) وقوله (هو معكم أينما كنتم) وقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) فإنما أراد بذلك إستيلاء أمنائه (يقصد الأئمة) بالقدرة التي ركّبها فيهم على جميع خلقهم ، وأن فعلهم فعله (!!) ، راجع/ الإحتجاج للطبرسي 1/ 373 ، البحار للمجلسي 3/ 310 ، تفسير نور الثقلين للحويزي 4/ 617 ، 5/ 258 ) .
بل إن الإثناعشرية يقولون أكثر من هذا ! فيزعمون أنّ أعمال الناس تُعرض على الأئمة ، وأنهم يعلمون علم الأنبياء والرسل والملائكة جميعاً ، ولديهم آيات الأنبياء ومعجزاتهم ، وأن علمهم يزداد كل جمعة ، وأنهم يعلمون متى يموتون ولا يموتون إلا بإختيارهم ، ويعلمون ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم شيء ، وأنهم يتكلمون مع الملائكة والجن ، وأن الأرض كلها للأئمة ( راجع/ الكافي للكليني 1/ 207 ) .. ويقولون أيضاً أن الأشجار تطيع الإمام ، وأنه (ع) أمسك بحائط بشماله ، وأن وثبته أربعون ذراعاً ، وضرب رجلاً فقسمه نصفين ، وهزم سبعين فارساً لوحده ، وأنه رأى مكة من الكوفة ، وأنه قطع سلاسل حديد بضربة واحدة ، وأنه لا يشعر بالحر ولا البرد ، وأن له فرس ذو جناحين ، وأن البحر يخشاه ، وأنه أمر الملائكة أمام شيعته بجلب إبليس الأبالسة وفرعون الفراعنة ففعلوا ( البحار 42/ 29 وما بعدها) .. وأنه تكلم مع جمجمة ، ومع الشمس ، وأنه يحيي الموتى ويُشفي المرضى ويحوّل عدوه إلى رأس كلب ، وأنه كان يرفع مصلاه فيستخرج من تحته الأموال ، وأنه شقّ حجراً فأخرج منه مائة ناقة ، بل إن النبي (ص) مرض فأشفاه علي (ع) ، فقد كانت الأوجاع تطيعه ، وما من شيء زجره الإمام إلا إنزجر بإذن الله ، وإن الحُمّى تفزع منه ، وأنه طار على بساط الريح ، وتكلم مع أهل الكهف والرقيم ، وأنه رفس الأرض برجله فنبعت عين ماء ، وأن لديه مُلك وسلطان أعظم من مُلك سليمان وسلطانه ، وأن أبا بكر وعمر توسّلا به – وهما في قبرهما – أن يعيدهما إلى الدنيا فرفض ، وأنه يتكلم مع أرواح الموتى ، وأنه يستنطق الحيوانات والسباع ويأمرهم ، وأنه يتحكم بفيضان الفرات ويأمره ، ويسيطر على زلازل الأرض ، وأنه يقبض على الحصى فتتحول إلى جواهر ، وأنه أرسل ثعباناً ليبتلع عمر ثم عفا عنه ، وأنه يعلم جميع الأسرار ومؤامرات الأعداء ، وإن تُظهروا ما في أنفسكم أو تخفوه فإن الإمام يعلمه (البحار 41/ 166 وما بعدها ) . ومن عجائب الإمام (ع) وهو صغير أنه كان يرفض القماط ويقول لأمه: لا تشدي يدي ، فإني أحتاج أن أبصبص لربي بإصبعي ، وأنه قتل حية وهو في المهد ، وربما لحق بالحصان الجاري فيمسكه ( البحار 41/ 274 ) .
بالله عليكم ، رجل كهذا لا يتغلب على معاوية أو يزيد أو المنصور أو هارون ؟؟!!
هل يُعقل أن رجلاً يملك كل هذه (الأسلحة) بيديه ولا يستعملها في المعركة ضد أعدائه ؟؟!!
ما الفائدة من كل هذه القدرات العظيمة إن لم تستخدم لإقامة ولاية أهل البيت ؟؟!!
خاتمة :- الله تعالى قادر على كل شيء ، وقد يهب لمن يشاء قدرات وخوارق ومعجزات عديدة .
ولكن هناك تناقض عجيب بين هذه القدرات الأسطورية للإمام ، وبين (السيناريو) الإثناعشري الذي يجعل الإمام مظلوماً مقهوراً مغلوباً على أمره يتستر بالتقية خوفاً من أعدائه !!
بصراحة ، هذا الغلو في قدرات الإمام يجعلنا نتعجب .. ليس من قوة علي (ع) .. وإنما من قوة معاوية الذي إستطاع أن يقف بوجهه .. 
وهذا الكلام بالذات يؤكد قول القائلين بأن غلو الشيعة في أئمتهم ينعكس بالنهاية إلى الإنتقاص منهم وإهانتهم .. 

وقد صدق علي السجاد زين العابدين (ع) إذ قال للغلاة من شيعته :-
أحبونا حب الإسلام .. فما زال حبكم لنا .. حتى صار شيناً (عيباً) علينا ( البحار 46/ 73 ) ..

النتيجة :- بسبب هذا الكم الهائل من الرواة الغلاة والكذابين حول أهل البيت ، لم يصحح أهل السنة العديد من روايات أهل البيت .. طعناً في الرواة .. وليس في أهل البيت (ع) .
ولم ينفرد أهل السنة بهذا العمل ، بل إن أئمة أهل البيت أنفسهم فعلوا هذا .. 
فعندما زار علي الرضا (ع) العراق ، قام أحد الشيعة بجمع كتاب فيه روايات جعفر الصادق ومحمد الباقر (ع) .. ثم عرض الكتاب على الرضا (ع) .. فأنكر الرضا منها أحاديث كثيرة !!(البحار 49/ 250 ) ..

وكان يُفترض بالشيعة الحقيقيين أن يفعلوا كذلك .. أن يصححوا أحاديث الأئمة حسب السند ..
لكن الإثناعشرية حوّلوا الأمر من مذهب ديني إلى تنظيم سياسي!!
فلم تعد المسألة مجرد روايات عن المعصوم تجب تصحيحها أولاً ، ثم تطبيقها ..
بل تحوّل المذهب إلى شعارات سياسية ، هدفها الحفاظ على بقاء التنظيم بأي ثمن، وتحشيد عواطف الجماهير لصالحه بأي ثمن .. وهذه هي الديماغوجية كما أظن ..
فإبتدعوا المناسبات العديدة ، والمسيرات الكبيرة المتتالية ، ومراسيم التطبير المتنوعة ..
كل هذا مزجوه بعبارات المديح والإطراء ، الذي يصل إلى حد التأليه للأئمة !!
فأصبح اليوم من ضروريات مذهبهم أن الأئمة (ع) أفضل من الأنبياء، عدا محمد (ص) !! راجع مكتبة أهل البيت / كتاب تفضيل أمير المؤمنين للمفيد ..
لا ، بل يؤكدون أنه لا فضل لمحمد (ص) على علي (ع) إلا بالرسالة التي وردها (تفضيل أمير المؤمنين للمفيد ص 33 ) .. 

ولا غرابة في ذلك ، إذا علمنا أن من مصلحة أي تنظيم سياسي تعظيم قائده، وتسخير كل الماكنة الإعلامية لجعل الأتباع لا يسمعون سوى إسمه ، ولا يرون سوى رسمه !!
ولهذا تراهم يُصرّون على إضافة (أشهد أن علياً ولي الله) في الأذان ، رغم إعترافهم بأنها ليست جزءاً من الاذان .. فقد أصبحت شعاراً (logo) للإثناعشرية ، يجب التمسك به ..
وتراهم يكثرون الحلف بإسم (علي أو الحسين) أكثر من حلفهم بالله .. لأن (الله) مشترك بين الناس جميعاً ، وهم يريدون شعاراً خاصاً بهم ..
وتراهم يحفظون (أهازيجهم ومقاتلهم) أكثر من القرآن الكريم، وتراهم يفضّلون زيارة مرقد الحسين على زيارة الكعبة بعشرين درجة (الكافي للكليني 4/ 580 ) .. لأن الكعبة و القرآن مشترك بين طوائف المسلمين ، بينما هم يريدون التمايز ..
وبهذا إنقلب دينهم شيئاً فشيئاً إلى تعاليم وشعارات سياسية ، يعضّون عليها بالنواجذ ، وإن خالفت الكلام الصحيح لأهل البيت (عليهم السلام) .. والأمثلة كثيرة على ذلك .. والله أعلم ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق