الاثنين، 21 أكتوبر 2013

من فضائل الصدق والصادقين

من فضائل الصدق والصادقين


الحمد لله رب العالمين القائل وهو أصدق القائلين {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، والصلاة والسلام على رسولنا وحبيبنا محمد الصادق المصدوق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان وصِدقٍ إلى يوم الدين .. أما بعد ..
أيها الإخوة والأخوات في مشاركة سابقة تكلمت عن الصدق والصادقين في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وها أنا اليوم أبين لكم فضائل الصدق والصادقين، فأسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم وممن ينالون هذه الفضائل، فأقول وبالله التوفيق:
1 - الصدق رأس الفضائل، وأجمل الصفات الحميدة التي يتحلى بها الإنسان وتزيده في العلم هيبة ووقارًا: إذ به تُنَال الثقة وتُكْسب الثروة ويَطيب العيش. 
والصدق إحدى الضروريات التي يتوقف عليها نظام العالم بأسره. 
فبالصدق تثبت الحقوق، وتحفظ الأرواح، ويتم النظام، ويعيش الناس في أمان وسلام، ولولاه لانتزعت ثقة الناس بعضهم من بعض، ولما وصل إليهم شيء من الحقائق في العلوم والأديان.
ألا ترى أن الرجل الصادق يكون دائمًا موضع الثقة ومحل الأمانة مبجلاً محترمًا مهما كانت درجته، لأن الصادق لا يكون خائنًا، ولا مختلسًا، ولا نمامًا، ولا مخادعًا، ولا غشاشًا.
فإذا عاملت رجلاً صادقًا فأنت في مأمن على مالك وعرضك، ويكون هو على يقين من رغبة الناس في معاملته. 
فالتاجر لا يعامله الناس إلا إذا اشتهر عنه الصدق في المعاملة
والصانع ينصرف عنه عملاؤه إذا لم يصدق في مواعيده
والطبيب لا يقصده أحد إلا إذا وثق به الناس وكان صادقًا.
ويُعد خلق (الصدق) عماد الأخلاق ومرجعًا لأمهاتها، حيث ترى الإنسان الصادق يتصف دائمًا بالفضائل والأخلاق فتجدهصريحًا لا يرائي، مستقيمًا غير متذبذب، كريمًا حازمًا، أمينًا، قنوعًا، رحيمًا، بارِّا، صابرًا، عفيفًا، متواضًعا، واضحًا، عاملاً، عادلاً، بعيدًا كل البعد عن الغش والغدر والمكر .. أما الإنسان الكاذب فتجده بعكس ذلك.
فالصدق ضرورة لبناء الشخصية، وفضيلة من فضائل السلوك الحضارية ذات النفع والأثر العظيمين.
2 - الصدق يهدي إلى كل خير: عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا ...» متفق عليه.
فدل الحديث على أن الصدق يهدي إلى البر، والبر كلمة جامعة تدل على كل وجوه الخير، ومختلف الأعمال الصالحات، مما هو زائد على فعل الواجبات وترك المحرمات من الأمور التي تقتضيها مرتبة التقوى.
ومن كان صدوقًا خُلُقه الصدق فإنه لا يمكن أن يكون منافقًا، لأن الكذب هو العماد الأول للنِّفاق، والصادق إما أن يؤمن حقًا ويعلن إسلامه بصدق، وإما أن يتوقف حتى تتبيَّن له الحقيقة، فخلق الصدق يمنعه من أن يظهر الإيمان كذبًا، ويبطن الكفر، كما يمنعه من جحود الحق بعد معرفته.
3 - الصدق خلق قابل للاكتساب والترسيخ: إن خُلق الصدق في حياة الإنسان قابل للاكتساب، وقابل للتنمية والترسيخ، عن طريق التدريب العملي المقترن بالإرادة الجازمة، فمِنْ مظاهر الإرادة الجازمة تحري الصدق في الأقوال كلها، وفي مختلف وسائل التعبير العمَلية. والذي يتحرَّى الصِّدْق لا يسمَحُ لنفسه بأن يلقي كلامًا جزافًا دون تروٍّ ولا بصيرة، ولا يسمحبأن يتبع ما ليس له به علم، فيحكم بالظنون التي ليس لها ما يدعمها ويؤيدها من الأدلة الكافية للإثبات أو للنفي، ولا يسمح لنفسه بأن يرائي أو ينافق في أعماله لأنه يحرص على الصدق ويتحرى بإرادته الجازمة الصدْق في أقواله وأعماله، وعندئذ يكون صدِّيقًا، وهذا ما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الحديث: « وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا ».
وجاء في رواية أخرى: « وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا » متفق عليه.
4 - الصدق أحد أسباب دخول الجنة: فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ »رواه الإمام أحمد، والبيهقي في شعب الإيمان وانظر: السلسلة الصحيحة (1470).
فجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصدق أحد عناصر ستة مَنْ تحلى بها دخل الجنة، وفي هذا ترغيب بالتحلي بخلق الصدق.
وكذا قول الرسول r للذي سأله عن الفرائض، فَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا»، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا»، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ» رواه البخاري ومسلم.
5 – الصدق يبلغ بصاحبه منازل الشهداء وإن مات على فراشه: لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» رواه مسلم.
6 - حصول الصادقين على معية الله ومنزلة القرب منه: قد أمر الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين وخصص المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فقال: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(التوبة: 119).
ولهم منزلة القرب منه، إذ درجتهم تأتي درجة النبيين، أثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان والإسلام، والصدق والصبر وبأنهم أهل الصدق، فقال: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177)، وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة والباطنة، وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان.
7- الصدق نجاة وخير: وعاقبة الصدق خير - وإن توقع المتكلم شرًا - قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}(محمد:21) ، وفي قصة توبة كعب بن مالك يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا : « فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا، مَا بَقِيتُ. فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ»، ويقول كذلك: «فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلاَمِ، أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا» رواه البخاري ومسلم.
وروى ابن الجوزي في مناقب أحمد أنه قيل له: كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق؟ فقال: " لو وُضِع الصدقعلى جرح لبرأ " .
ويوم القيامة يقول رب العزة للناس: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم} (المائدة/119) .
8- الصدق طمأنينة وثبات: ومن آثار الصدق ثبات القدم ، وقوة القلب ، ووضوح البيان ، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان ، ومن علامات الكذب الذبذبة ، واللجلجة ، والارتباك ، والتناقض، مما يوقع السامع بالشك وعدم الارتياح ، ولذلك يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» رواه الترمذي، وصححه الشيخ الألباني.

هذا و (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)



****************************


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق