الاثنين، 21 أكتوبر 2013

أهل البيت يَلجَئون ويوصون باللّجوء إلى الله وحده


أهل البيت يَلجَئون ويوصون باللّجوء إلى الله وحده


كان أعلام أهل البيت -رضوان الله تعالى عليهم- يلجئون في دعائهم إلى الله وحده، وكانوا يرغّبون مَن حولهم في التوجّه إلى الله مباشرة من دون الحاجة إلى وسائط وشفعاء، وينهون أشدّ النّهي عن سؤال غير الله.


وهذه بعض أقوالهم:



النبيّ المصطفى -صلّى الله عليه وآله وسلّم- يوصي بسؤال الله والاستعانة به وحده:


· أورد الطّوسيّ في (الأمالي) عن الفضيل بن يسار، قال سمعت أبا جعفر -عليه السّلام- يقول: خرج رسول الله -صلّى الله عليه وآله- يريد حاجة، فإذا هو بالفضل بن العبّاس. قال: فقال: احملوا هذا الغلام خلفي. قال: فاعتنق رسولُ الله -صلّى الله عليه وآله- بيده من خلفه على الغلام، ثم قال: ( يا غلام، خفِ الله تجده أمامك، يا غلام خف الله يكفك ما سواه، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، ولو أنّ جميع الخلائق اجتمعوا على أن يصرفوا عنك شيئا قد قدّر لك لم يستطيعوا، واعلم أّن النّصر مع الصبر، وأّن الفرج مع الكرب، وأنّ اليسر مع العسر، وكلّ ما هو آت قريب. إنّ الله يقول: (ولو أنّ قلوب عبادي اجتمعت على قلب أشقى عبد لي ما نقصني ذلك من سلطاني جناح بعوضة، ولو أنّ قلوب عبادي اجتمعت على قلب أسعد عبد لي ما زاد ذلك إلا مثل إبرة جاء بها عبد من عبادي فغمسها في بحر، وذلك أنّ عطائي كلام، وعدتي كلام، وإنّما أقول للشّيء كن فيكون)).(أمالي الطّوسي: ص536).



تأمّل أخي كيف يربّي النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- هذا الغلام الصّغير ألا يسأل أحدا إلا الله، وألا يستعين بأحد غير الله، مصداقا لقول الله -جلّ وعلا- في سورة الفاتحة عن دعاء المؤمنين: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } (الفاتحة:5).



عليّ المرتضى -رضي الله عنه- ينفي الحاجة إلى الشّفعاء في الدّعاء، ويرغّب في إخلاص الدّعاء لله وحده:


· في (نهج البلاغة) يقول أمير المؤمنين عليّ -رضي الله عنه- موصيا ولده الحسن -رضي الله عنه-: " واعلم أنّ الّذي بيده خزائن السّماوات والأرض قد أذن لك في الدّعاء وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التّوبة، ولم يعاجلك بالنّقمة، ولم يعيّرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدّد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرّحمة. بل جعل نزوعك عن الذّنب حسنة، وحسب سيّئتك واحدة، وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب. فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته علم نجواك. فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الأعمار وصحّة الأبدان وسعة الأرزاق


ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنّطنّك إبطاء إجابته، فإنّ العطيّة على قدر النّيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل وأجزل لعطاء الآمل. وربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك. فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له ". (نهج البلاغة: باب المختار من كتب أمير المؤمنين -عليه السّلام- ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده ويدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عمّاله ووصاياه لأهله وأصحابه: وصية [31]: ومن وصيّته -عليه السّلام- للحسن بن علي -عليه السّلام-، كتبها إليه بـ "حاضرين" عند انصرافه من صفّين).



تأمّل أخي كيف ينفي أمير المؤمنين أن يكون الله –جلّ في علاه– قد جعل بينه وبين عبده من يحجبه عنه، أو يكون قد ألجأه إلى شفيع يشفع له في الدّعاء، وكلامه هذا هو مصداق لقوله –جلّ شأنه-: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة:186).



· وفي (الكافي) عن أَبي الحسن الرّضَا -عليه السّلام- أَنّ أَمير المؤمنين -صلوات الله عليه- كان يقول: "طوبى لمن أخلص للهِ العبادةَ والدّعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناهُ، ولم ينسَ ذكر اللهِ بما تسمعُ أذناهُ، ولم يحزن صدره بما أعطي غيرُه". (الكافي: 02/16).



تأمّل أخي كيف يمدح أمير المؤمنين عليّ – رضي الله عنه – من يخلص عبادته ودعاءه لله –جلّ وعلا- مصداقا لقول الله – تبارك وتعالى-: { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } (غافر:14).



الإمام السجّاد -عليه رحمة الله- يستعيذ بالله من سؤال غيره:


· كان من دعائه كما في (الصّحيفة السجّادية): "اللّهمّ اجعلني أصول بك عند الضّرورة، وأَسأَلك عند الحاجة، وأَتضرّع إليك عند المسكنة، ولا تفتنّي بالاستعانة بغيْرك إذا اضطررت، ولا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت، ولا بالتّضرّع إلى من دونك إذا رهبت، فأستحقّ بذلك خذلانك ومنعك وإعراضك يا أَرحم الرّاحمين". (الصّحيفة: دعاء 20: دعاؤه في مكارم الأخلاق).



تأمّل أخي كيف يتعوّذ الإمام السجّاد من الاستعانة بغير الله والخضوع لغيره والتضرّع إلى من هو دونه، بل ويقول أنّ ذلك فتنة يستحقّ الواقع فيها خذلان الله ومنعه وإعراضه.



الإمام الباقر -عليه رحمة الله- يُنزل حاجته بالله وحده:


· كان من دعائه -عليه رحمة الله-: " استمسكت بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها، واعتصمت بحبل الله المتين، وأعوذ بالله من شرّ فسقة العرب والعجم وشرّ فسقة الجنّ والإنس، ربي الله ربي الله ربي الله، آمنت بالله، توكّلت على الله، لا حول و لا قوة إلا بالله، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إنّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا، حسبي الله ونعم الوكيل. اللهمّ من أصبح وله حاجة إلى مخلوق فإنّ حاجتي ورغبتي إليك وحدك لا شريك لك " (مصباح المتهجّد: ص179).


· وكان من دعائه -عليه رحمة الله- عقيب صلاة الليل: "... اللهمّ لك الحمد يا ربّ، أنت نور السّماوات والأرض فلك الحمد، وأنت قوام السّماوات والأرض فلك الحمد، وأنت جمال السّماوات والأرض فلك الحمد، وأنت زين السّماوات والأرض فلك الحمد، وأنت صريخ المستصرخين فلك الحمد، وأنت غياث المستغيثين فلك الحمد، وأنت مجيب دعوة المضطرّين فلك الحمد، وأنت أرحم الرّاحمين الرّحمن الرّحيم فلك الحمد، اللهمّ بك تنزل كل حاجة فلك الحمد، وبك يا إلهي أنزلت حوائجي الليلة فاقضها يا قاضي حوائج السائلين... " (مصباح المتهجّد: 164).


· وكان من وصاياه لأبنائه: " يا بَنيّ من كتم بلاء ابتلي به من النّاس وشكا ذلك إلى الله عز وجلّ كَان حقا على الله أن يعافيه من ذلك البلاء ". (بحار الأنوار: 90/286).



تأمّل أخي كيف يخلص الإمام الباقر في التوجّه إلى الله، ويُنزل حاجاته بخالقه ومولاه، تصديقا ويقينا بقوله -جلّ في علاه-: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } (النمل:62).



الإمام الصّادق -عليه رحمة الله- يقطع الرّجاء من جميع الخلائق، ويوصي بالتوجّه بالدّعاء إلى الله مباشرة:


· في (الكافي) أنّ الصّادق -عليه السّلام- كان يقول عند العلّة: " اللهمّ إنّك عيّرت أقواما فقلت: { قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً }، فيا من لا يملك كشف ضرّي ولا تحويله عنّي أحد غيره، صلّ على محمد وآل محمد، واكشف ضرّي وحوّله إلى من يدعو معك إلها آخر لا إله غيرك ". (الكافي: 02/564).


· وفي (بحار الأنوار) أنّ الصّادق -عليه السّلام- كان يدعو فيقول: "اللّهمّ إنّي أصبحت لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا، قد ذلّ مصرعي، واستكان مضجعي، وظهر ضرّي، وانقطع عذري، وقلّ ناصري، وأسلمني أهلي ووالدي وولدي بعد قيام حجّتك عليّ، وظهور براهينك عندي، ووضوح أدلّتك لي. اللهمّ وقد أعيت الحيل، وتغلّقت الطرق، وضاقت المذاهب، ودرست الآمال إلا منك، وانقطع الرّجاء إلا من جهتك" (بحار الأنوار: 83/317).


· وفي (الكافي) عن يعقوب بن سالم قال: كنت عند أبي عبد الله -عليه السّلام- فقال له العلاء بن كامل: إنّ فلانا يفعل بي ويفعل، فإن رأيت أن تدعو الله عز وجلّ، فقال: "هذا ضعف بك، قل: اللهمّ إنّك تكفي من كلّ شيء ولا يكفى منك شيء، فاكفني أمر فلان بم شئت وكيف شئت و[من] حيث شئت وأنّى شئت". (الكافي: 02/512).



انظر أخي إلى هذا الموقف الذي وقفه الإمام الصّادق مع أحد أصحابه عندما جاء يشكو إليه عدوا له، ولم يطلب منه شيئا غير أنّه أراد أن يدعو له، فدلّه الإمام أن يتوجّه بنفسه مباشرة إلى الله –جلّ وعلا- بالدّعاء.



· وفي (الكافي) أيضا عن سماعة عن أبي عبد الله -عليه السّلام- قال: إذا خفت أمرا فقل: " اللهمّ إنّك لا يكفي منك أحد، وأنت تكفي من كل أحد من خلقك، فاكفني كذا وكذا ".


وفي حديث آخر قال: تقول: " يا كافيا من كلّ شيء ولا يكفي منك شيء في السّماوات والأرض، اكفني ما أهمّني من أمر الدّنيا والآخرة، وصلّى الله على محمّد وآله ". (الكافي: 02/557).



الحسن العسكريّ -عليه رحمة الله- يؤكّد أنّ اللّجوء إلى الله وحده من مقتضيات ألوهيته:


· عن الحسن بن علي بن محمد -عليهم السّلام- في قول الله -عزّ وجل-: { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم }، قالالله هو الذي يتألّـه إليه عند الحوائج والشّدائد كلّ مخلوق وعند انقطاع الرّجاء من كلّ من دونه وتقطع الأسباب من جميع من سواه. تقول: " بسم الله " أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلا له، المغيث إذا استغيث، والمجيب إذا دعي، وهو ما قال رجل للصّادق -عليه السّلام-: يا بن رسول الله دُلّني على الله ما هو، فقد أكثر علي المجادلون وحيّروني. فقال له: يا عبد الله، هل ركبت سفينة قطّ؟ قال: نعم. قال: فهلكسرت بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال: فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الصّادق -عليه السّلام-: "فذلك الشّيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث". (معاني الأخبار: 01/16، بحار الأنوار: 03/41).



علَم من أعلام ولد الحسين -رضي الله عنه- يوصي بالتوجّه بالآمال إلى الله وحده:


· في (الكافي) عن الحسين بن علوان قال: كنّا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلانا، فقال: إذًا والله لا تُسعف حاجتك ولا يَبلغك أملك ولا تنجح طلبتك، قلت: وما علمك رحمك الله؟ قال: "إنّ أبا عبد الله -عليه السّلام- حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب أنّ الله تبارك وتعالى يقول: وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل [من الناس] غيري باليأس، ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس، ولأنحينّه من قربي، ولأبعدنّه من فضلي، أيؤمِّل غيري في الشّدائد والشّدائد بيدي؟!، ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني؟! فمن ذا الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟! ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه منّي؟! جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقَته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلا مِن بعد إذني، فمالي أراه لاهيا عنّي، أعطيته بجودي ما لم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني ردّه وسأل غيري؛ أ فيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أُسأل فلا أجيب سائلي؟! أبخيل أنا فيبخّلني عبدي؟، أوليس الجود والكرم لي؟! أوليس العفو والرحمة بيدي؟! أوليس أنا محلّ الآمال؟! فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري، فلوا أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعا ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟!، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني". (الكافي: 02/66).



وفي رواية (الكافي) عن سعيد بن عبد الرّحمن قال: كنت مع موسى بن عبد الله بينبع وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض ولد الحسين: من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت: موسى بن عبد الله، فقال: إذا لا تقضى حاجتك ثم لا تنجح طلبتك، قلت: ولم ذاك؟ قال: لأني قد وجدت في بعض كتب آبائي أن الله عز وجل يقول -ثم ذكر مثله- فقلت: يا ابن رسول الله أمْل علي، فأملاه علي، فقلت: لا والله ما أسأله حاجة بعدها. (الكافي: 02/66-67).



وفي رواية (أمالي الطّوسيّ) عن عبد الله بن محمد بن عبيد بن ياسين بن محمد بن عجلان مولى الباقر -عليه السّلام-، قال: حدثني أبي، عن جدّه ياسين بن محمد، عن أبيه محمّد بن عجلان، قال: أصابتني فاقة شديدة ولا صديق لمضيق، ولزمني دين ثقيل وغريم يلجّ باقتضائه، فتوجّهت نحو دار الحسن بن زيد، وهو يومئذ أمير المدينة لمعرفة كانت بيني وبينه، وشعر بذلك من حالي محمّد بن عبد الله بن علي بن الحسين، وكان بيني وبينه قديم معرفة، فلقيني في الطريق فأخذ بيدي وقال لي: قد بلغني ما أنت بسبيله، فمن تؤمّل لكشف ما نزل بك؟ قلت: الحسن بن زيد. فقال: إذن لا تقضى حاجتك ولا تسعف بطلبتك، فعليك بمن يقدر على ذلك، وهو أجود الأجودين، فالتمس ما تؤمله من قبله، فإنّي سمعت ابن عمي جعفر بن محمّد يحدّث عن أبيه عن جدّه، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السّلام)، عن النبي -صلّى الله عليه وآله- قال: أوحى الله إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه إليه: "وعزّتي وجلالي لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل غيري بالإياس، ولأكسونّه ثوب المذلّة في النّاس، ولأبعدنّه من فرَجي وفضلي، أيؤمّل عبدي في الشدائد غيري، أو يرجو سواي؟ وأنا الغنيّ الجواد، بيدي مفاتيح الأبواب، وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني، ألم يعلم أنه ما أوهنته نائبة لم يملك كشفها عنه غيري، فما لي أراه بأمله معرضا عنّي؟، قد أعطيته بجودي وكرمي ما لم يسألني، فأعرض عنّي ولم يسألني وسأل في نائبته غيري! وأنا الله ابتدئ بالعطية قبل المسألة، أفأسال فلا أجيب؟ كلا، أو ليس الجود والكرم لي، أو ليس الدنيا والآخرة بيدي، فلو أنّ أهل سبع سماوات وأرضين سألوني جميعا فأعطيت كلّ واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكي مثل جناح بعوضة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟ فيا بؤس لمن عصاني ولم يراقبني".


فقلت: يا ابن رسول الله، أعد عليّ هذا الحديث، فأعاده ثلاثا فقلت: لا والله لا سألت أحدا بعد هذا حاجة، فما لبثت أن جاءني برزق وفضل من عنده.(الأمالي: ص584).



تأمّل أخي هذه الكلمات لتعلم مدى فداحة جرم من يدعو غير الله، ويلهج لسانه بذكر غير الله عند الشّدائد، والله –جلّ وعلا- يقول: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } (الزّمر:36).



***



هذه النّصوص -المنتقاة من بين ركام هائل من النّصوص المكذوبة التي ترغّب الشّيعة في التعلّق بأئمّة أهل البيت وإنزال الحوائج بهم-، هي النّصوص الموافقة لعشرات الآيات الصّريحة من كتاب الله، التي تحرّم اتّخاذ الشّفعاء والوسطاء في الدّعاء، وترغّب في التوجّه واللّجوء إلى الله وحده:


· يقول الحقّ تبارك وتعالى: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } (الأعراف:29).


· ويقول جلّ شأنه: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{5} وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ{6}} (الأحقاف).


· ويقول تقدّست أسماؤه: { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ{13} إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{14}} (فاطر).


· ويقول جلّت أسماؤه: { وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{19} وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{20} أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{21} إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ{22} لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ{23} (النحل).


· ويقول سبحانه: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فَلا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَدًا {18} وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا {19} قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا {20}} (الجن).


· ويقول سبحانه: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{11} يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ{12}} (الحجّ).



***


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق