الاثنين، 21 أكتوبر 2013

أهل البيت يرغّبون في التوسّل إلى الله بأسمائه وصفاته وبالأعمال الصّالحة، وينفون التوسّل بالمخلوقين

أهل البيت يرغّبون في التوسّل إلى الله بأسمائه وصفاته وبالأعمال الصّالحة، وينفون التوسّل بالمخلوقين


علي المرتضى -رضي الله عنه- يوصي بالتوسّل إلى الله بالأعمال الصّالحة:


· يقول علي -رضي الله عنه- كما في (نهج البلاغة): "إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة، وإقامة الصّلاة فإنّها الملّة، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإنّه جُنّة من العقاب، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذّنب، وصلة الرّحم فإنّها مثراة في المال ومنسأة في الأجل، وصدقة السرّ فإنّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السّوء، وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان". (نهج البلاغة: بَابُ المخُتَْارِ مِنْ خُطب مولانا أمير المؤُمِنين عليّ بن أبي طالب -عليه السّلام- وأوامره ونواهيه وكلامه الجاري مجرى الخطب والمواعظ في المقامات المحظورة والمواقف المذكورة والخطوب الواردة. خطبة رقم 109: ومن خطبة له -عليه السّلام- في أركان الدين).



وهذا الكلام مصداقٌ لقول الله –تبارك وتعالى-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ الله وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (المائدة:35).


والوسيلة في هذه الآية هي الأعمال الصّالحة، وهي الوسيلة في قوله تعالى: { قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً{56} أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً{57}} (الإسراء). وهذه الآية تتحدّث عن قوم يدْعون عيسى ومريم وعزيرا والملائكة ومسلمي الجنّ، وهؤلاء المدعوين (الأنبياء والملائكة ومسلمي الجنّ) يتقرّبون إلى الله ويبتغون إليه الوسيلة بطاعته وبالعمل الصّالح.



الإمام السجّاد -عليه رحمة الله- يتوجّه إلى الله وحده بالدّعاء، ويتوسّل إليه بمحبّته وتوحيده وطاعته، ويوصي بالتوسّل إلى الله بالطّاعات:


· في (بحار الأنوار) عن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) يصلّي عامّة ليلته في شهر رمضان، فإذا كان السّحر دعا بهذا الدعاء: 


" إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك، من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك، ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك، لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك، ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك، يا ربّ - حتى ينقطع النّفس - بك عرفتك وأنت دللتني عليك، ودعوتني إليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت. الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنت بطيئا حين يدعوني، والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلا حين يستقرضني، والحمد لله الذي أناديه كلّما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسرّي، بغير شفيع فيقضي لي حاجتي، والحمد لله الذي لا أدعو غيره ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي، والحمد لله الذي لا أرجو غيره ولو رجوت غيره لأخلف رجائي والحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني ولم يكلني إلى الناس فيهينوني، والحمد لله الذي تحبّب إلى وهو غنيّ عني، والحمد لله الذي يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي، فربّي أحمد شيء عندي، وأحق بحمدي. اللهمّ إنّي أجد سبل المطالب إليك مشرعة، ومناهل الرجاء إليك مترعة والاستعانة بفضلك لمن أملك مباحة، وأبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة، وأعلم أنك للراجين بموضع إجابة، وللملهوفين بمرصد إغاثة، وأنّ في اللهف إلى جودك والرضا بقضائك عوضا عن منع الباخلين، ومندوحة عما في أيدي المستأثرين، وأنّ الراحل إليك قريب المسافة، وأنّك لا تحجب عن خلقك ولكن تحجبهم الأعمال السيّئة دونك، وقد قصدت إليك بطلبتى، وتوجّهت إليك بحاجتي وجعلت بك استغاثتي، وبدعائك توسّلي، من غير استحقاق لاستماعك منّي، ولا استيجاب لعفوك عنّي، بل لثقتي بكرمك، وسكوني إلى صدق وعدك، ولجائي إلى الإيمان بتوحيدك، وثقتي بمعرفتك منّي: أن لا ربّ لي غيرك، ولا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك. اللهمّ أنت القائل وقولك حقّ ووعدك صدق: { وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمَا }، وليس من صفاتك يا سيّدي أن تأمر بالسّؤال وتمنع العطية وأنت المنّان بالعطايا على أهل مملكتك، والعائد عليهم بتحنّن رأفتك، اللهمّ ربيتني في نعمك وإحسانك صغيرا، ونوّهت باسمي كبيرا، يا من ربّاني في الدنيا بإحسانه وبفضله ونعمه، وأشار لي في الآخرة إلى عفوه وكرمه، معرفتي يا مولاي دليلي عليك، وحبّي لك شفيعي إليك، وأنا واثق من دليلي بدلالتك، وساكن من شفيعي إلى شفاعتك، أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه، أدعوك يا رب راهبا راغبا راجيا خائفا، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأيت عفوك طمعت، فإن غفرت فخير راحم، وإن عذّبت فغير ظالم. حجّتي يا الله في جرأتي على مسألتك مع إتياني ما تكره جودك وكرمك،وعدّتي في شدّتي مع قلّة حيائي منك رأفتك ورحمتك، وقد رجوت أن لا تخيب بين ذين وذين منيتي، فصلّ على محمد وآل محمد، وحقّق رجائي، واسمع ندائي، يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج". (بحار الأنوار: 95/82-83).


· وكان من دعائه -عليه رحمة الله- كما في (الصّحيفة السجّادية): " إلهي استشفعت بك إليك، واستجرت بك منك، أتيتك طامعا في إحسانك، راغبا في امتنانك، مستسقيا وابل طولك مستمطرا غمام فضلك، طالبا مرضاتك، قاصدا جنابك، واردا شريعة رفدك، ملتمّسا سني الخيرات من عندك، وافدا إلى حضرة جمالك، مريدا وجهك، طارقا بابك، مستكينا لعظمتك وجلالك، فافعل بي ما أنت أهله من المغفرة والرحمة، ولا تفعل بي ما أنا أهله من العذاب والنّقمة برحمتك يا أرحم الراحمين". (الصّحيفة: دعاء 73: المناجاة الخامسة: مناجاة الراغبين).


· ومن دعائه أيضا كما في (الصّحيفة) دائما: "ووسيلتي إليك التّوحيد، وذريعتي أَنّي لم أُشرك بك شيئاً، ولم أَتّخذ معك إلهاً، وقد فررت إليك بنفسي، وإليك مفرّ المسيء، ومفزع المضيّع لحظّ نفسه، ...". (الصّحيفة: دعاء 49: وكان من دعائه -عليه السّلام- في دفاع كيد الأعداء وردّ بأسهم).


· ومن وصيته عليه رحمة الله لأبنائه كما في (الكافي): عن ابن أبي حمزة قال: سمعت علي بن الحسين -عليهما السّلام- قال لابنه: "يا بَنِيّ من أصابه منكم مصيبة أو نزلت به نازلة فليتوضّأ وليسبغ الوضوء، ثم يصلّي ركعتين أو أربع ركعات ثم يقول في آخرهنّ: "يا موضع كلّ شكوى، ويا سامع كلّ نجوى، وشاهد كل ملاء، وعالم كلّ خفية، ويا دافع ما يشاء من بلية، ويا خليل إبراهيم، ويا نجيّ موسى، ويا مصطفِي محمّد -صلّى الله عليه وآله- أدعوك دعاء من اشتدّت فاقته وقلّت حيلته وضعفت قوته، دعاء الغريق الغريب المضطرّ الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين"، فإنّه لا يدعو به أحد إلا كشف الله عنه إن شاء الله". (الكافي: 02/560).



تأمّل أخي كيف يتوسّل الإمام السجّاد إلى الله بالله وبالأعمال الصّالحة وعلى رأسها التّوحيد. تأمّل كيف أنّه لم يتوسّل بأحد من خلق الله، لم يتوسّل بأبيه الحسين –رضي الله عنه- ولا بجدّه عليّ –رضي الله عنه-، بل ولا بخير خلق الله نبيّ الهدى –صلّى الله عليه وآله-.



***



هذه النّصوص هي النّصوص الموافقة لصريح آيات الكتاب العزيز التي تنكر أشدّ النّكير على الذين يتّخذون وسطاء وشفعاء بينهم وبين الله في الدّعاء:


· يقول الحقّ -جلّ وعلا-: { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (الأعراف:180).


· ويقول -تقدّست أسماؤه-: { وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (الأنعام:51).


· ويقول: { اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } (السجدة:4).


· ويقول: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } (يونس:18).


· ويقول: { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ{43} قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{44}} (الزمر).


· ويقول: { أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{3} } (الزّمر).


· ويقول: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } (الأنعام:94).


· ويقول: { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً{55} قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً{56} أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً{57}} (الإسراء).


والوسيلة في هذه الآية –كما مرّ معنا- هي التقرّب إلى الله -جلّ وعلا- بما يحبّه ويرضاه من الأحوال والأقوال والأعمال الصّالحة: قال نبيّ الهدى -صلّى الله عليه وآله-: ( نِعمَ الوسيلة الاستغفار )(مستدرك الوسائل: 12/108).



***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق